يتغافل عمّا لا يشتهي ، ولا يؤيس منه ، ولا يحبّب فيه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والإكثار ، وما لا يعنيه.
قوله عليه السلام : «يتغافل عمّا لا يشتهي ، ولا يؤيس منه ، ولا يحبّب» فمن صفاته الحميده صلى الله عليه واله لم يذم شيئاً أبداً ، فإن أعجبه فبها ، وإلّا كان يتغافل عنه.
وفي الحديث عن أبي هريرة : قال : ما عاب رسول الله صلى الله عليه واله طعاماً قط ، إن إشتهاه أكله ، وإلّا تركه (١).
قوله عليه السلام : «قد ترك نفسه من ثلاث ، المراء ، والإكثار ، وما لا يعنيه» المراء : المجادلة ، ويقال : ماريته إذا طعنت في قوله تزييفاً للقول ، وتصغيراً للقائل ، ولا يكون المراء إلّا إعتراضاً بخلاف الجدال ، فإنّه يكون إبتداءً وإعتراضاً ، قاله الفيومي (٢).
وقال الطريحي : قوله تعالى : «أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ» (٣) أي تجادلونه ، والمماراة : المجادلة ، ومنه قوله تعالى «فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ» (٤) أي لا تجادل في أمر أصحاب الكهف إلّا مراءً ظاهراً بحجّة ودلالة تقصّ عليهم ما أوحىٰ الله إليك ، وهو قوله تعالى : «وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (٥) (٦).
«والإكثار» أي الزيادة من الأكل والمال.
«وما لا يعنيه» أي ما لا يهمّه.
وفي الحديث : قال رسول الله صلى الله عليه واله : من رأى موضع كلامه من عمله
__________________
١ ـ فتح الباري : ج ٦ ، ص ٥٦٦ ، ح ٣٥٦٥.
٢ ـ المصباح المنير : ص ٥٧٠.
٣ ـ النجم : ١٢.
٤ ـ الكهف : ٢٢.
٥ ـ النحل : ١٢٥.
٦ ـ مجمع البحرين : ج ١ ، ص ٣٨٨.