والمراد من قوله عليه السلام : «يضحك ممّا يضحكون منه» : أي أنّ رسول الله صلى الله عليه واله كان كسائر أصحابه يتبسّم ويضحك ، وكان جلّ ضحكه : التبسّم وهذا لا ينافي أنّه صلى الله عليه واله ضحك غير مرّة حتّى بدت نواجده ، وكان إذا ضحك وضع يده على فيه.
وكان النبيّ صلى الله عليه واله يتعجّب كسائر الناس ، وعند تعجّبه كان يقلّب كفّيه ، وربّما يسبّح ، وربّما يحرّك رأسه ، وربّما يعضّ شفتيه ، وربّما كان يضرب بيده على فخذه ، وربّما كان ينكت الأرض بعود (١) ,
قوله عليه السلام : «ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته ، حتّى إذا كان أصحابه ليستجلبونهم في المنطق» الصبر : عبارة عن قوّة ثابتة وملكة راسخة بها يقدر على حبس النفس على الاُمور الشاقّة ، والوقوف معها بحسن الأدب ، وعدم الإعتراض على المقدّر بإظهار الشكوى ، فإنّ الإنسان مادام في هذه النشأة كان مورداً للمصائب والآفات ، ومحلاً للنوائب والعاهات ، ومكلّفاً بفعل الطاعات وترك المنهيّات والمشتهيات ، وكلّ ذلك ثقيل على النفس ، ولا يمكن الغلبة عليها إلّا بالصبر.
والصبر على ثلاثة أنحاء : كما جاء في الحديث : عن أمير المؤمنين عليه السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه واله ، قال : الصبر ثلاثة : صبر عند المصيبة ، وصبر على الطاعة ، وصبر عن المعصية.
فمن صبر على المصيبة حتّى يردّها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض.
ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ، ما بين الدرجة إلى
__________________
١ ـ السيرة الحلبيّة : ص ٣٣٥.