ألقوا حبالهم (١) للكفر والجحود ، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود ، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين. روي أنهم لم يرفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار ، ورأوا ثواب أهلها ، وعن عكرمة : لما خروا سجّدا أراهم الله في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها في الجنة (٢).
قال القاضي : هذا بعيد ، لأنهم لو أراهم عيانا لصاروا ملجئين ، وذلك لا يليق به (٣) قولهم : إنّا آمنّا بربّنا (٤) ليغفر لنا» (٥).
وأجيب : أنه (٦) لما جاز لإبراهيم (٧) مع (٨) قطعه بكونه مغفورا له أن يقول (٩) : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي)(١٠) فلم لا يجوز في حق السحرة (١١)؟
قوله : (آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى)(١٢) احتج التعليمية (١٣) بهذه الآية وقالوا (١٤) : إنّهم آمنوا بالله الذي عرفوه من (١٥) قبل هارون وموسى ، وفي الآية فائدتان :
الفائدة (١٦) الأولى : أنّ فرعون ادّعى الربوبية في قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ)(١٧). والإلهية في قوله : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي)(١٨) فلو (١٩) قالوا : آمنّا بربّ العالمين ، لكان فرعون يقول : إنهم آمنوا بي لا بغيري ، فلقطع هذه التهمة اختاروا هذه العبارة ، ويدل عليه تقديمهم ذكر هارون على موسى ، لأن فرعون كان يدعي ربوبية موسى (بناء على أنه ربّاه) (٢٠) ، وقال : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً)(٢١) ، فالقوم لما احترزوا عن إيهامات (فرعون قدموا ذكر هارون على موسى قطعا لهذا الخيال.
الفائدة الثانية : هي أنهم لما شاهدوا) (٢٢) ما خصهما الله تعالى به من المعجزات
__________________
(١) في ب : حبالهم وعصيهم.
(٢) الكشاف ٢ / ٤٤٠ ـ ٤٤١.
(٣) في ب : لهم. وهو تحريف.
(٤) «بربنا» : سقط من ب.
(٥) في ب : «لنا خطايانا» [طه : ٧٣].
(٦) في الأصل : لأنه.
(٧) في ب : لابراهيم عليه الصلاة والسلام.
(٨) في ب : مع كونه.
(٩) في ب : بقوله. وهو تحريف.
(١٠) من قوله تعالى : «وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ» [الشعراء : ٨٢].
(١١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٨٦.
(١٢) في ب : قوله :«آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ. رَبِّ مُوسى وَهارُونَ» [الأعراف : ١٢١ ، ١٢٢].
(١٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢ / ٨٧. ولم أجد فيما رجعت إليه من كتب الفرق والمذاهب من ذكر التعليمية.
(١٤) في ب : وقال. وهو تحريف.
(١٥) من : سقط من ب.
(١٦) الفائدة : سقط من ب.
(١٧) في ب :«أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى» [النازعات : ٢٤].
(١٨) [القصص : ٣٨].
(١٩) في ب : فلوا. وهو تحريف.
(٢٠) ما بين القوسين في ب : كونه ربّاه.
(٢١) [الشعراء : ١٨].
(٢٢) ما بين القوسين سقط من ب.