فصل (١)
قال أكثر المفسرين : دخل رجلان على داود ـ عليهالسلام (٢) ـ أحدهما : صاحب حرث والآخر صاحب غنم ، فقال صاحب الحرث : إن غنم هذا دخلت في حرثي ليلا فأفسدته ، فلم يبق منه شيئا ، فقال داود : اذهب فإن الغنم لك. فخرجا فمرا على سليمان ، فقال : كيف قضى بينكما؟ فأخبراه ، فقال : لو وليت أمرهما لقضيت بغير هذا. وروي أنه قال : غير هذا أرفق بالفريقين (٣) فأخبر بذلك داود ، فدعاه ، فقال : كيف تقضي ، وروي أنه قال له (٤) : بحق النبوة والأبوة إلّا أخبرتني بالذي هو أرفق (٥) بالفريقين ، فقال : ادفع الغنم إلى صاحب الحرث ينتفع بدرها ونسلها وصوفها ومنافعها ، ويبذر صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه ، فإذا صار الحرث كهيئته يوم أكل دفع إلى أهله ، وأخذ صاحب الغنم غنمه ، فقال داود : القضاء ما قضيت. وقال ابن مسعود ومقاتل : إن راعيا نزل ذات ليلة بجنب كرم ، فدخلت الأغنام الكرم وهو لا يشعر فأكلت القضبان ، وأفسدت الكرم ، فذهب صاحب الكرم من الغد إلى داود ، فقضى له بالغنم ، لأنه لم يكن بين ثمن الكرم وثمن الأغنام تفاوت وذكر باقي القصة. قال ابن عباس : حكم سليمان ذلك وهو ابن إحدى عشرة سنة وأما حكم الإسلام : أنّ ما أفسدت الماشية المرسلة بالنهار من مال الغير فلا ضمان على ربها ، وما أفسدت بالليل ضمنه ربها ، لأنّ في عرف الناس أنّ أصحاب الزروع يحفظونها بالنهار ، والمواشي تسرح بالنهار ، وترد بالليل إلى المراح (٦).
روى ابن (٧) محيصة أنّ ناقة للبراء بن عازب (٨) دخلت حائطا (٩) فأفسدت ، فقضى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم (١٠) ـ «أنّ على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها»(١١).
__________________
(١) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٥ ـ ١٩٩.
(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٣) في ب : أوفق الفريقين. وهو تحريف.
(٤) له : سقط من ب.
(٥) في ب : أوفق.
(٦) في الأصل : الراح. وهو تحريف. هذا الحكم قاله الإمام الشافعي ـ رحمهالله ـ واحتج بالحديث المروي عن البراء بن عازب الآتي. الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٩.
(٧) في النسختين : روى محيصة. والصواب ما أثبته وهو حرام بن سعد بن محيصة بن مسعود الأنصارى المدني وينسب إلى جده ، أخذ عن أبيه ، وأخذ عنه الزهري ، مات سنة ١١٣ ه. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ١ / ٢٠٢.
(٨) تقدم.
(٩) الحائط هنا : البستان من النخيل إذا كان عليه الحائط وهو الجدار ، وجمعه الحوائط. اللسان (حوط).
(١٠) وسلم : سقط من الأصل.
(١١) أخرجه مالك في الموطأ (أقضية) ٢ / ٧٤٨ ، أحمد ٥ / ٤٣٦.