(وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩) يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (٣٠)
____________________________________
فخيرها فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة ثم اختارت الباقيات اختيارها فشكر لهن الله ذلك فنزل لا يحل لك النساء من بعد واختلف فى أن هذا التخيير هل كان تفويض الطلاق إليهن حتى يقع الطلاق بنفس الاختيار أو لا فذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق وإنما كان تخييرا لهن بين الارادتين على أنهن إن أردن الدنيا فارقهن صلىاللهعليهوسلم كما ينبىء عنه قوله تعالى (فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَ) وذهب آخرون إلى أنه كان تفويضا للطلاق إليهن حتى لو أنهن اخترن أنفسهن كان ذلك طلاقا وكذا اختلف فى حكم التخيير فقال ابن عمر وابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهم إذا خير رجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شىء أصلا ولو اختارت نفسها وقعت طلقة بائنة عندنا ورجعية عند الشافعى وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبى ليلى وسفيان وروى عن زيد بن ثابت أنها إن اختارت زوجها يقع طلقة واحدة وإن اختارت نفسها يقع ثلاث طلقات وهو قول الحسن ورواية عن مالك وروى عن على رضى الله عنه أنها إن اختارت زوجها فواحدة رجعية وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة وروى عنه أيضا أنه إن اختارت زوجها لا يقع شىء أصلا وعليه إجماع فقهاء الأمصار وقد روى عن عن عائشة رضى الله عنها خيرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاخترناه ولم يعده طلاقا وتقديم التمتيع على التسريح من باب الكرم وفيه قطع لمعاذيرهن من أول الأمر والمتعة فى المطلقة التى لم يدخل بها ولم يفرض لها صداق عند العقد واجبة عندنا وفيما عداهن مستحبة وهى درع وخمار وملحفة بحسب السعة والاقتار إلا أن يكون نصف مهرها أقل من ذلك فحينئذ يجب لها الأقل منهما ولا ينقص عن خمسة دراهم (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أى تردن رسوله وذكر الله عزوجل للإيذان بجلالة محله صلىاللهعليهوسلم عنده تعالى (وَالدَّارَ الْآخِرَةَ) أى نعيمها الذى لا قدر عنده للدنيا وما فيها جميعا (فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ) بمقابلة إحسانهن (أَجْراً عَظِيماً) لا يقادر قدره ولا يبلغ غايته ومن للتبيين لأن كلهن محسنات وتجريد الشرطية الأولى عن* الوعيد للمبالغة فى تحقيق معنى التخيير والاحتراز عن شائبة الإكراه وهو السر فيما ذكر من تقديم التمتيع على التسريح وفى وصف السراح بالجميل (يا نِساءَ النَّبِيِّ) تلوين للخطاب وتوجيه له إليهن لإظهار الاعتناء بنصحهن ونداؤهن ههنا وفيما بعده بالإضافة إليه صلىاللهعليهوسلم لأنها التى يدور عليها ما يرد عليهن من الأحكام (مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ) بكبيرة (مُبَيِّنَةٍ) ظاهرة القبح من بين بمعنى تبين وقرىء بفتح الياء والمراد بها كل ما اقترفن من الكبائر وقيل هى عصيانهن لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ونشوزهن وطلبهن منه ما يشق عليه أو ما يضيق به ذرعه ويغتم لأجله وقرىء تأت بالفوقانية (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) أى يعذبن ضعفى عذاب غيرهن أى مثليه لأن الذنب منهن أقبح فإن زيادة قبحه تابعة لزيادة فضل المذنب والنعمة عليه