(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (٣٢)
____________________________________
ذلك فأذن له فخرج بأهله (آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ) أى أبصر من الجهة التى تلى الطور (ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) أى بخبر الطريق وقد كانوا ضلوه (أَوْ جَذْوَةٍ) أى عود غليظ سواء كانت فى رأسه نار أو لا قال قائلهم[باتت حواطب ليلى يلتمسن لها * جزل الجذى غير حوار ولا دعر] وقال[وألقى على قبس من النار جذوة * شديدا عليها حرها وإلتهابها] ولذلك بين بقوله تعالى (مِنَ النَّارِ) وقرىء بكسر الجيم وبضمها وكلها لغات (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) أى تستدفئون (فَلَمَّا أَتاها) أى النار التى آنسها (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) أى أتاه النداء من الشاطىء الأيمن بالنسبة إلى موسى عليهالسلام (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) متصل بالشاطىء أو صلة لنودى (مِنَ الشَّجَرَةِ) بدل اشتمال من (شاطِئِ) لأنها كانت نابتة على الشاطىء (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) وهذا وإن خالف لفظا لما فى طه والنمل لكنه موافق له فى المعنى المراد (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) عطف على (أَنْ يا مُوسى) وكلاهما مفسر لنودى والفاء فى قوله تعالى (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) فصيحة مفصحة عن جمل قد حذفت تعويلا على دلالة الحال عليها وإشعارا بغاية سرعة تحقق مدلولاتها أى فألقاها فصارت ثعبانا فاهتزت فلما رآها تهتز (كَأَنَّها جَانٌّ) أى فى سرعة الحركة مع غاية عظم جثتها (وَلَّى مُدْبِراً) أى منهزما من الخوف (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أى لم يرجع (يا مُوسى) أى قيل يا موسى (أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) من المخاوف فإنه لا يخاف لدى المرسلون (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) أى أدخلها فيه (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أى عيب (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ) أى يديك المبسوطتين لتتقى بهما الحية كالخائف الفزع بإدخال اليمنى تحت العضد الأيسر واليسرى تحت الأيمن أو بإدخالهما فى الجيب فيكون تكريرا لغرض آخر هو أن يكون ذلك فى وجه العدو إظهار جراءة ومبدأ لظهور معجزة ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا ثعبانا استعارة من حال الطائر فإنه إذا خاف نشر جناحيه وإذا أمن واطمأن ضمهما إليه (مِنَ الرَّهْبِ) أى من أجل الرهب أى إذا عراك الخوف فافعل ذلك تجلدا وضبطا لنفسك وقرىء بضم الراء وسكون الهاء وبضمهما والكل لغات (فَذانِكَ) إشارة إلى العصا واليد وقرىء بتشديد النون فالمخفف مثنى ذاك والمشدد مثنى ذلك (بُرْهانانِ) حجتان نيرتان وبرهان فعلان لقولهم أبره الرجل إذا جاء بالبرهان من قولهم بره الرجل إذا ابيض ويقال