(إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) (٨)
____________________________________
(إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) عداوة قديمة لا تكاد تزول وتقديم لكم للاهتمام به (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) بمخالفتكم له فى عقائدكم وأفعالكم وكونكم على حذر منه فى مجامع أحوالكم وقوله تعالى (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) تقرير لعداوته وتحذير من طاعته بالتنبيه على أن غرضه فى دعوة شيعته إلى اتباع الهوى والركون إلى ملاذ الدنيا ليس تحصيل مطالبهم ومنافعهم الدنيوية كما هو مقصد المتحابين فى الدنيا عند سعى بعضهم فى حاجة بعض بل هو توريطهم وإلقاؤهم فى العذاب المخلد من حيث لا يحتسبون (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ) بسبب كفرهم وإجابتهم لدعوة الشيطان واتباعهم لخطواته (عَذابٌ شَدِيدٌ) لا يقادر قدره مديد لا يبلغ مداه (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ) بسبب ما ذكر من الإيمان والعمل الصالح الذى من جملته عداوة الشيطان (مَغْفِرَةٌ) عظيمة (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) لا غاية لهما (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) إما تقرير لما سبق من التباين البين بين عاقبتى الفريقين ببيان تباين حاليهما المؤديين إلى تينك العاقبتين والفاء لإنكار ترتيب ما بعدها على ما قبلها أى أبعد كون حاليهما كما ذكر يكون من زين له الكفر من جهة الشيطان فانهمك فيه كمن استقبحه واجتنبه واختار الإيمان والعمل الصالح حتى لا تكون عاقبتاهما كما ذكر فحذف ما حذف لدلالة ما سبق عليه وقوله تعالى* (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ) الخ تقرير له وتحقيق للحق ببيان أن الكل بمشيئته تعالى أى فإنه تعالى يضل (مَنْ يَشاءُ) * أن يضله لاستحسانه واستحبابه الضلال وصرف اختياره إليه فيرده أسفل سافلين (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أن يهديه بصرف اختياره إلى الهدى فيرفعه إلى أعلى عليين وإما تمهيد لما يعقبه من نهيه صلىاللهعليهوسلم عن التحسر والتحزن عليهم لعدم إسلامهم ببيان أنهم ليسوا بأهل لذلك بل لأن يضرب عنهم صفحا ولا يبالى بهم قطعا أى أبعد كون حالهم كما ذكر تتحسر عليهم فحذف لما دل عليه قوله تعالى (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) دلالة بينة وإما تمهيد لصرفه صلىاللهعليهوسلم عما كان عليه من الحرص الشديد على إسلامهم والمبالغة فى دعوتهم إليه ببيان استحالة تحولهم عن الكفر لكونه فى غاية الحسن عندهم أى أبعد ما ذكر من زين له الكفر من قبل الشيطان فرآه حسنا فانهمك فيه يقبل الهداية حتى تطمع فى إسلامه وتتعب نفسك فى دعوته فحذف ما حذف لدلالة ما مر من قوله تعالى (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) الخ على أنه ممن شاء الله تعالى أن يضله فمن يهدى من أضل الله وما لهم من ناصرين وقرىء فلا تذهب نفسك وقوله تعالى (حَسَراتٍ) إما مفعول له أى فلا