(وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) (١٠)
____________________________________
تهلك نفسك للحسرات والجمع للدلالة على تضاعف اغتمامه صلىاللهعليهوسلم على أحوالهم أو على كثرة قبائح أعمالهم الموجبة للتأسف والتحسر وعليهم صلة تذهب كما يقال هلك عليه حبا ومات عليه حزنا أو هو بيان للمتحسر عليه ولا يجوز أن يتعلق بحسرات لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته وإما حال كان كلها صارت حسرات وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) أى من القبائح تعليل لما قبله على الوجوه الثلاثة مع ما فيه من الوعيد. عن ابن عباس رضى الله عنهما أنها نزلت فى أبى جهل ومشركى مكة (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) مبتدأ وخبر وقرىء الريح وصيغة المضارع فى قوله تعالى (فَتُثِيرُ سَحاباً) لحكاية الحال الماضية استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على كمال القدرة والحكمة ولأن المراد بيان إحداثها لتلك الخاصية ولذلك أسند إليها أو للدلالة على استمرار الإثارة (فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) وقرىء بالتخفيف (فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ) * أى بالمطر النازل منه المدلول عليه بالسحاب فإن بينهما تلازما فى الذهن كما فى الخارج أو بالسحاب فإنه سبب السبب (بَعْدَ مَوْتِها) أى يبسها وإيراد الفعلين على صيغة الماضى للدلالة على التحقق وإسنادهما إلى* نون العظمة المنبىء عن اختصاصهما به تعالى لما فيهما من مزيد الصنع ولتكميل المماثلة بين إحياء الأرض وبين البعث الذى شبه به بقوله تعالى (كَذلِكَ النُّشُورُ) فى كمال الاختصاص بالقدرة الربانية والكاف فى* حيز الرفع على الخبرية أى مثل ذلك الإحياء الذى تشاهدونه إحياء الأموات فى صحة المقدورية وسهولة التأتى من غير تفاوت بينهما أصلا سوى الألف فى الأول دون الثانى وقيل فى كيفية الإحياء يرسل الله تعالى من تحت العرش ماء فينبت منه أجساد الخلق (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) هم المشركون الذين كانوا يتعززون بعبادة الأصنام كقوله تعالى (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) والذين كانوا يتعززون بهم من الذين آمنوا بألسنتهم كما فى قوله تعالى (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) والجمع بين كان ويريد للدلالة على دوام الإرادة واستمرارها (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) أى* له تعالى وحده لا لغيره عزة الدنيا وعزة الآخرة أى فليطلبها منه لامن غيره فاستغنى عن ذكره بذكر دليله إيذانا بأن اختصاص العزة به تعالى موجب لتخصيص طلبها به تعالى وقوله تعالى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) بيان لما يطلب به العزة وهو التوحيد والعمل الصالح وصعودهما إليه مجاز عن قبوله تعالى إياهما أو صعود الكتبة بصحيفتهما وتقديم الجار والمجرور عبارة عن كمال الاعتداد به كقوله تعالى (أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) أى إليه يصل الكلم الطيب الذى به يطلب العزة لا إلى الملائكة الموكلين بأعمال العباد فقط وهو يعز صاحبه ويعطى طلبته بالذات