(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) (١٤)
____________________________________
خاف عقابه وهو غائب عنه على أنه حال من الفاعل أو المفعول أو خافه فى سريرته ولم يغتر برحمته فإنه منتقم قهار كما أنه رحيم غفار كما نطق به قوله تعالى (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) عظيمة (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) لا يقادر قدره والفاء لترتيب البشارة أو الأمر بها على ما قبلها من اتباع الذكر والخشية (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) بيان لشأن عظيم ينطوى على الإنذار والتبشير انطواء إجماليا أى نبعثهم بعد ممانهم وعن الحسن إحياؤهم إخراجهم من الشرك إلى الإيمان فهو حينئذ عدة كريمة بتحقيق المبشر به (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) أى ما أسلفوا من الأعمال الصالحة وغيرها (وَآثارَهُمْ) * التى أبقوها من الحسنات كعلم علموه أو كتاب ألفوه أو حبيس وقفوه أو بناء بنوه من المساجد والرباطات والقناطر وغير ذلك من وجوه البر ومن السيئات كتأسيس قوانين الظلم والعدوان وترتيب مبادى الشر والفساد فيما بين العباد وغير ذلك من فنون الشرور التى أحدثوها وسنوها لمن بعدهم من المفسدين وقيل هى آثار المشائين إلى المساجد ولعل المراد أنها من جملة الآثار وقرىء ويكتب على البناء للمفعول ورفع آثارهم (وَكُلَّ شَيْءٍ) من الأشياء كائنا ما كان (أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) أصل عظيم الشأن مظهر لجميع الأشياء مما كان وما سيكون وهو اللوح المحفوظ وقرىء كل شىء بالرفع (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) ضرب المثل يستعمل تارة فى تطبيق حالة غريبة بحالة أخرى مثلها كما فى قوله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ) وأخرى فى ذكر حالة غريبة وبيانها للناس من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها كما فى قوله تعالى (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) على أحد الوجهين أى بينا لكم أحوالا بديعة هى فى الغرابة كالأمثال فالمعنى على الأول اجعل أصحاب القرية مثلا لهؤلاء فى الغلو فى الكفر والإصرار على تكذيب الرسل أى طبق حالهم بحالهم على أن مثلا مفعول ثان لا ضرب وأصحاب القرية مفعوله الأول أخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه وعلى الثانى اذكر وبين لهم قصة هى فى الغرابة كالمثل وقوله تعالى (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) بدل منه بتقدير المضاف أو بيان له والقرية أنطاكية (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) بدل اشتمال من أصحاب القرية وهم رسل عيسى عليهالسلام إلى أهلها ونسبة إرسالهم إليه تعالى فى قوله (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) بناء على أنه كان بأمره تعالى لتكميل التمثيل وتتميم التسلية وهما يحيى وبولس وقيل غيرهما (فَكَذَّبُوهُما) أى فأتياهم فدعواهم إلى الحق فكذبوهما فى الرسالة (فَعَزَّزْنا) أى قوينا يقال عزز المطر الأرض إذا لبدها وقرىء بالتخفيف من عزه إذا غلبه وقهره وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه ولأن المقصد ذكر المعزز به (بِثالِثٍ) هو شمعون (فَقالُوا) أى جميعا (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) مؤكدين كلامهم* لسبق الإنكار لما أن تكذيبهما تكذيب للثالث لاتحاد كلمتهم وذلك أنهم كانوا عبدة أصنام فأرسل إليهم