(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) (٦٣)
____________________________________
(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً) أى وعدا بالجنة فإن حسن الوعد بحسن الموعود (فَهُوَ لاقِيهِ) أى مدركه لا محالة لاستحالة الخلف فى وعده تعالى ولذلك جىء بالجملة الاسمية المفيدة لتحققه البتة وعطفت بالفاء المنبئة عن معنى السببية (كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) الذى هو مشوب بالآلام منغص بالأكدار* مستتبع للتحسر على الانقطاع ومعنى الفاء الأولى ترتيب إنكار التشابه بين أهل الدنيا وأهل الآخرة على ما قبلها من ظهور التفاوت بين متاع الحياة الدنيا وبين ما عند الله تعالى أى أبعد هذا التفاوت الظاهر يسوى بين الفريقين وقوله تعالى (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) عطف على (مَتَّعْناهُ) داخل معه فى حين الصلة* مؤكد لإنكار التشابه ومقرر له كأنه قيل كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم نحضره أو أحضرناه يوم القيامة النار أو العذاب وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على التحقق حتما وفى جعله من جملة المحضرين من التهويل ما لا يخفى وثم للتراخى فى الزمان أو فى الرتبة وقرىء ثم هو بسكون الهاء تشبيها للمنفصل بالمتصل (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) منصوب بالعطف على (يَوْمَ الْقِيامَةِ) لاختلافهما عنوانا وإن اتحدا ذاتا أو بإضمار اذكر (فَيَقُولُ) تفسير للنداء (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أى الذين كنتم تزعمونهم شركائى فحذف المفعولان معا ثقة بدلالة الكلام عليهما (قالَ) استئناف مبنى على حكاية السؤال كأنه قيل فماذا صدر عنهم حينئذ فقيل قال (الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) وهم شركاؤهم من الشياطين أو رؤساؤهم الذين اتخذوهم أربابا من دون الله تعالى بأن أطاعوهم فى كل ما أمروهم به ونهوا عنه ومعنى حق عليهم القول أنه ثبت مقتضاه وتحقق مؤداه وهو قوله تعالى (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وغيره من آيات الوعيد وتخصيصهم بهذا الحكم مع شموله للأتباع أيضا لأصالتهم فى الكفر واستحقاق العذاب حسبما يشعر به قوله تعالى (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) ومسارعتهم إلى الجواب مع كون السؤال للعبدة إما لتفطنهم أن السؤال عنهم لاستحضارهم وتوبيخهم بالإضلال وجزمهم بأن العبدة سيقولون هؤلاء أضلونا وإما لأن العبدة قد قالوه اعتذار أو هؤلاء إنما قالوا ما قالوا ردا لقولهم إلا أنه لم يحك قول العبدة إيجازا لظهوره (رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا) أى هم الذين أغويناهم فحذف الراجع إلى الموصول ومرادهم بالإشارة بيان أنهم يقولون ما يقولون بمحضر منهم وأنهم غير قادرين على إنكاره ورده وقوله تعالى (أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) هو الجواب حقيقة وما قبله تمهيد له أى