(كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) (٥)
____________________________________
وقيل الجواب ما دل عليه الجملة الإضرابية أى ما كفر به من كفر لخلل وجده فيه بل الذين كفروا الخ وقرىء فى غرة أى فى غفلة عما يجب عليهم التنبه له من مبادى الإيمان ودواعيه (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) وعيد لهم على كفرهم واستكبارهم ببيان ما أصاب من قبلهم من المستكبرين وكم مفعول أهلكنا ومن قرن تمييز والمعنى وقرنا كثيرا أهلكنا من القرون الخالية (فَنادَوْا) عند نزول بأسنا وحلول نقمتنا استغاثة وتوبة لينجوا من ذلك وقوله تعالى (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) حال من ضمير نادوا أى نادوا واستغاثوا طلبا للنجاة والحال أن ليس الحين حين مناص أى فوت ونجاة من ناصه أى فاته لا من ناص بمعنى تأخر ولا هى المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب وثم وخصت بنفى الأحيان ولم يبرز إلا أحد معموليها والأكثر حذف اسمها وقيل هى النافية للجنس زيدت عليها التاء وخصت بنفى الأحيان وحين مناص منصوب على أنه اسمها أى ولا حين مناص لهم أو بفعل مضمر أى ولا أرى حين مناص وقرىء بالرفع فهو على الأول اسمها والخبر محذف وأى وليس حين مناص حاصلا لهم وعلى الثانى مبتدأ محذوف الخبر أى ولا حين مناص كائن لهم وقرىء بالكسر كما فى قوله[طلبوا صلحنا ولات أوان * فأجبنا أن لات حين بقاء] إما لأن لات تجر الأحيان كما أن لو لا تجر الضمائر فى نحو قوله [لولاك هذا العام لم أحج] أو لأن أوان شبه بإذ فى قوله[نهيتك عن طلابك أم عمرو * بعافية وأنت إذ صحيح] فى أنه زمان قطع منه المضاف إليه وعوض التنوين لأن أصله أوان صلح ثم حمل عليه حين مناص تنزيلا لقطع المضاف إليه من مناص إذ أصله حين مناصهم منزلة قطعه من حين لما بين المضافين من الاتحاد ثم بنى الحين لإضافته إلى غير متمكن وقرىء لات بالكسر كجير ويقف الكوفيون عليها بالهاء كالأسماء والبصريون بالتاء كالأفعال وما قيل من أن التاء مزيدة على حين لا تصالها به فى الإمام مما لا وجه له فإن خط المصحف خارج عن القياس (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) حكاية لأباطيلهم المتفرعة على ما حكى من استكبارهم وشقاقهم أى عجبوا من أن جاءهم رسول من جنسهم بل أدون منهم فى الرياسة الدنيوية والمال على معنى أنهم عدوا ذلك امرا عجيبا خارجا عن احتمال الوقوع وأنكروه أشد الإنكار لا أنهم اعتقدوا وقوعه وتعجبوا منه (وَقالَ الْكافِرُونَ) وضع فيه الظاهر موضع الضمير غضبا عليهم وإيذانا بأنه لا يتجاسر على مثل ما يقولونه إلا المتوغلون فى الكفر والفسوق (هذا ساحِرٌ) فيما يظهره من الخوارق (كَذَّابٌ) فيما يسنده إلى الله تعالى من الإرسال والإنزال (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) بأن نفى الألوهية عنهم وقصرها على واحد (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) بليغ فى العجب وذلك لأنه خلاف ما ألفوا عليه آباءهم الذين أجمعوا على ألوهيتهم