(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ) (٧)
____________________________________
وواظبوا على عبادتهم كابرا عن كابر فإن هذا مدار كل ما يأتون وما يذرون من أمور دينهم هو التقليد والاعتياد فيعدون ما يخالف ما اعتادوه عجيبا بل محالا وأما جعل مدار تعجبهم عدم وفاء علم الواحد وقدرته بالأشياء الكثيرة فلا وجه له لما أنهم لا يدعون أن لآلهتهم علما وقدرة ومدخلا فى حدوث شىء من الأشياء حتى يلزم من نفى ألوهيتهم بقاء الآثار بلا مؤثر وقرىء عجاب بالتشديد وهو أبلغ ككرام وكرام روى أنه لما أسلم عمر رضى الله عنه شق ذلك على قريش فاجتمع خمسة وعشرون من صناديدهم فأتوا أبا طالب فقالوا أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء وقد جئناك لتقضى بيننا وبين ابن أخيك فاستحضر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال يا أبن أخى هؤلاء قومك يسألونك السؤال فلا تمل كل الميل على قومك فقال صلىاللهعليهوسلم ماذا تسألوننى قالوا رفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك فقال صلىاللهعليهوسلم أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أمعطى أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم قالوا نعم وعشرا فقال قولوا لا إله إلا الله فقاموا وقالوا ذلك (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ) أى وانطلق الأشراف من قريش عن مجلس أبى طالب بعد ما بكتهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالجواب العتيد وشاهدوا تصلبه صلىاللهعليهوسلم فى الدين وعزيمته على أن يظهره على الدين كله ويئسوا مما كانوا يرجونه بتوسط أبى طالب من المصالحة على الوجه المذكور (أَنِ امْشُوا) أى قائلين بعضهم لبعض على وجه النصيحة امشوا (وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) أى واثبتوا على عبادتها متحملين لما تسمعونه فى حقها من القدح وأن هى المفسرة لأن الانطلاق عن مجلس التقاول لا يخلو عن القول وقيل المراد بالانطلاق الاندفاع فى القول وامشوا من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها ومنه الماشية للتفاؤل أى اجتمعوا وكثروا وقرىء امشوا بغير أن على إضمار القول وقرىء يمشون أن اصبروا (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) تعليل للأمر بالصبر أو لوجوب الامتثال به أى هذا الذى شاهدناه من محمد صلىاللهعليهوسلم من أمر التوحيد ونفى آلهتنا وإبطال أمرها لشىء يراد أى من جهته صلىاللهعليهوسلم إمضاؤه وتنفيذه لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه لا قول يقال من طرف اللسان أو أمر يرجى فيه المسامحة بشفاعة أو امتنان فاقطعوا أطماعكم عن استنزاله من رأيه بوساطة أبى طالب وشفاعته وحسبكم أن لا تمنعوا من عبادة آلهتكم بالكلية فاصبروا عليها وتحملوا ما تسمعونه فى حقها من القدح وسوء القالة وقيل إن هذا الأمر لشىء يريده الله تعالى ويحكم بإمضائه وما أراد الله كونه فلا مرد له ولا ينفع فيه إلا الصبر وقيل إن هذا الأمر لشىء من نوائب الدهر يراد بنا فلا انفكاك لنا منه وقيل إن دينكم لشىء يراد أى يطلب ليؤخذ منكم وتغلبوا عليه وقيل إن هذا الذى يدعيه من التوحيد أو يقصده من الرياسة والترفع على العرب والعجم لشىء يتمنى ويريده كل أحد فتأمل فى هذه الأقاويل واختر منها ما يساعده النظم الجليل (ما سَمِعْنا بِهذا) الذى يقوله (فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) أى الملة النصرانية التى هى آخر الملل فإنهم مثلثة أو فى الملة التى