(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) (١١)
____________________________________
أدركنا عليها آباءنا ويجوز أن يكون الجار والمجرور حالا من هذا أى ما سمعنا بهذا من أهل الكتاب ولا الكهان كائنا فى الملة المترقبة ولقد كذبوا فى ذلك أقبح كذب فإن حديث البعثة والتوحيد كان أشهر الأمور قبل الظهور (إِنْ هذا) أى ما هذا (إِلَّا اخْتِلاقٌ) أى كذب اختلقه (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) أى القرآن (مِنْ بَيْنِنا) ونحن رؤساء الناس وأشرافهم كقولهم لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ومرادهم إنكار كونه ذكرا منزلا من عند الله عزوجل كقولهم لو كان خيرا ما سبقونا إليه وأمثال هذه المقالات الباطلة دليل على أن مناط تكذيبهم ليس إلا الحسد وقصر النظر على الحطام الدنيوى (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) أى من القرآن أو الوحى لميلهم إلى التقليد وإعراضهم عن النظر فى الأدلة المؤدية إلى العلم بحقيته وليس فى عقيدتهم ما يبتون به فهم مذبذبون بين الأوهام ينسبونه تارة إلى السحر وأخرى إلى الاختلاق (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) أى بل لم يذوقوا بعد عذابى فإذا ذاقوه تبين لهم حقيقة الحال وفى لما دلالة على أن ذوقهم على شرف الوقوع والمعنى أنهم لا يصدقون به حتى يمسهم العذاب وقيل لم يذوقوا عذابى الموعود فى القرآن ولذلك شكوا فيه (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) بل أعندهم خزائن رحمته تعالى يتصرفون فيها حسبما يشاءون حتى يصيبوا بها من شاءوا ويصرفوها عمن شاءوا ويتحكموا فيها بمقتضى آرائهم فيتخيروا للنبوة بعض صناديدهم والمعنى أن النبوة عطية من الله عزوجل يتفضل بها على من يشاء من عباده المصطفين لا مانع له فإنه العزيز أى الغالب الذى لا يغالب الوهاب الذى له أن يهب كل ما يشاء لكل من يشاء وفى إضافة اسم الرب المنبىء عن التربية والتبليغ إلى الكمال إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم من تشريفه واللطف به ما لا يخفى وقوله تعالى (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) ترشيح لما سبق أى بل ألهم ملك هذه العوالم العلوية والسفلية حتى يتكلموا فى الأمور الربانية ويتحكموا فى التدابير الإلهية التى يستأثر بها رب العزة والكبرياء وقوله تعالى (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) جواب شرط محذوف أى إن كان لهم ما ذكر من الملك فليصعدوا فى المعارج والمناهج التى يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم وينزلوا الوحى إلى من يختارون ويستصوبون وفيه من التهكم بهم ما لا غاية وراءه والسبب فى الأصل هو الوصلة وقيل المراد بالأسباب السموات لأنها أسباب الحوادث السفلية وقيل أبوابها (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) أى هم جند ما من الكفار المتحزبين على الرسل مهزوم مكسور عما قريب فلا تبال بما يقولون ولا تكترث بما يهذون وما مزيدة للتقليل والتحقير