(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٩)
____________________________________
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) خلا أن هذا أقرب إلى الحقيقة لأن الجاعل ههنا قاصد بجعله المذكور حقيقة الإضلال والضلال وإن لم يعرف لجهله أنهما إضلال وضلال وأما آل فرعون فهم غير قاصدين بالتقاطهم العداوة أصلا (قُلْ) تهديدا لذلك الضال المضل وبيانا لحاله ومآله (تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) أى تمتعا قليلا أو زمانا قليلا (إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) أى من ملازميها والمعذبين فيها على الدوام وهو تعليل لقلة التمتع وفيه من الإقناط من النجاة ما لا يخفى كأنه قيل إذ قد أبيت قبول ما أمرت به من الإيمان والطاعة فمن حقك أن تؤمر بتركه لتذوق عقوبته (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ) الخ من تمام الكلام المأمور به وأم إما متصلة قد حذف معاد لها ثقة بدلالة مساق الكلام عليه كأنه قيل له تأكيدا للتهديد وتهكما به أأنت أحسن حالا ومآلا أم من هو قائم بمواجب الطاعات ودائم على أداء وظائف العبادات فى ساعات الليل حالتى السراء والضراء لا عند مساس الضر فقط كدابك حال كونه (ساجِداً وَقائِماً) أى* جامعا بين الوصفين المحمودين وتقديم السجود على القيام لكونه أدخل فى معنى العبادة وقرىء كلاهما بالرفع على أنه خبر بعد خبر (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) حال أخرى على الترادف أو التداخل أو استئناف وقع* جوابا عما نشأ من حكاية حاله من القنوت والسجود والقيام كأنه قيل ما باله يفعل ذلك فقيل يحذر عذاب الآخرة (وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) فينجو بذلك مما يحذره ويفوز بما يرجوه كما ينبىء عنه التعرض لعنوان* الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى الكمال مع الإضافة إلى ضمير الراجى لا أنه يحذر ضر الدنيا ويرجو خيرها فقط وإما منقطعة وما فيها من الإضراب للانتقال من التهديد إلى التبكيت بتكليف الجواب الملجىء إلى الاعتراف بما بينهما من التباين البين كأنه قيل بل أم من هو قانت الخ أفضل أم من هو كافر مثلك كما هو المعنى على قراءة التخفيف (قُلْ) بيانا للحق وتنبيها على شرف العلم والعمل (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) حقائق الأحوال فيعملون بموجب علمهم كالقانت المذكور (وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أى ما ذكر أو شيئا* فيعملون بمقتضى جهلهم وضلالهم كدأبك والاستفهام للتنبيه على أن كون الأولين فى أعلى معارج الخير وكون الآخرين فى أقصى مدارج الشر من الظهور بحيث لا يكاد يخفى على أحد من منصف ومكابر وقيل هو وارد على سبيل التشبيه أى كما لا يستوى العالمون والجاهلون لا يستوى القانتون والعاصون وقوله تعالى (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) كلام مستقل غير داخل فى الكلام المأمور به وارد من جهته تعالى بعد* الأمر بما ذكر من القوارع الزاجرة عن الكفر والمعاصى لبيان عدم تأثيرها فى قلوب الكفرة لا ختلال عقولهم كما فى قول من قال[عوجوا فحيوا لنعمى دمنة الدار* ماذا تحيون من نوى وأحجار] أى إنما يتعظ بهذه البيانات الواضحة أصحاب العقول الخالصة عن شوائب الخلل وهؤلاء بمعزل من ذلك وقرىء إنما يذكر بالإدغام.