(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) (١٢)
____________________________________
(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بتذكير المؤمنين وحملهم على التقوى والطاعة إثر تخصيص التذكر بأولى الألباب إيذانا بأنهم هم كما سيصرح به أى قل لهم قولى هذا بعينه وفيه تشريف لهم بإضافتهم إلى ضمير الجلالة ومزيد اعتناء بشأن المأمور به فإن نقل عين أمر الله أدخل* فى إيجاب الامتثال به وقوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به وإيراد الإحسان فى حيز الصلة دون التقوى للإيذان بأنه من باب الإحسان وأنهما متلازمان وكذا الصبر كما مر فى قوله تعالى (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) وفى قوله تعالى (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وقوله تعالى (فِي هذِهِ الدُّنْيا) متعلق بأحسنوا أى عملوا الأعمال الحسنة فى هذه الدنيا على وجه الإخلاص وهو الذى عبر عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين سئل عن الإحسان بقوله صلىاللهعليهوسلم أن* تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك (حَسَنَةٌ) أى حسنة عظيمة لا يكتنه كنهها وهى الجنة وقيل هو متعلق بحسنة على أنه بيان لمكانها أو حال من ضميرها فى الظرف فالمراد بها حينئذ الصحة والعافية* (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) فمن تعسر عليه التوفر على التقوى والإحسان فى وطنه فليهاجر إلى حيث يتمكن* فيه من ذلك كما هو سنة الأنبياء والصالحين فإنه لا عذر له فى التفريط أصلا وقوله تعالى (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ) الخ ترغيب فى التقوى المأمور بها وإيثار الصابرين على المتقين للإيذان بأنهم حائزون لفضيلة الصبر كحيازتهم لفضيلة الإحسان لما أشير إليه من استلزام التقوى لهما مع ما فيه من زيادة حث على المصابرة والمجاهدة فى تحمل مشاق المهاجرة ومتاعبها أى إنما يوفى الذين صبروا على دينهم وحافظوا على حدوده ولم يفرطوا فى مراعاة حقوقه لما اعتراهم فى ذلك من فنون الآلام والبلايا التى من جملتها* مهاجرة الأهل ومفارقة الأوطان (أَجْرَهُمْ) بمقابلة ما كابدوا من الصبر (بِغَيْرِ حِسابٍ) أى بحيث لا يحصى ولا يحصر عن ابن عباس رضى الله عنهما لا يهتدى إليه حساب الحساب ولا يعرف وفى الحديث أنه تنصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج فيؤتون بها أجورهم ولا تنصب لأهل البلاء بل يصب عليهم الأجر صبا حتى يتمنى أهل العافية فى الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) أى من كل ما ينافيه من الشرك والرياء وغير ذلك أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ببيان ما أمر به نفسه من الإخلاص فى عبادة الله الذى هو عبارة عما أمر به المؤمنون من التقوى مبالغة فى حثهم على الإتيان بما كلفوه وتمهيدا لما يعقبه مما خوطب به المشركون (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) أى وأمرت بذلك لأجل أن أكون مقدمهم