(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) (١٩)
____________________________________
ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ) الخ نوع بيان لخسرانهم بعد تهويله بطريق الإبهام على أن لهم خبر لظلل ومن فوقهم متعلق بمحذوف قيل هو حال من ظلل والأظهر أنه حال من الضمير فى الظرف المقدم ومن النار صفة لظلل* أى لهم كائنة من فوقهم ظلل كثيرة متراكبة بعضها فوق بعض كائنة من النار (وَمِنْ تَحْتِهِمْ) أيضا (ظُلَلٌ) أى أطباق كثيرة بعضها تحت بعض ظلل لآخرين بل لهم أيضا عند ترديهم فى دركانها (ذلِكَ) العذاب* الفظيع هو الذى (يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) ويحذرهم إياه بآيات الوعيد ليجتنبوا ما يوقعهم فيه (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) ولا تتعرضوا لما يوجب سخطى وهذه عظة من الله تعالى بالغة منطوية على غاية اللطف والمرحمة وقرىء يا عبادى (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) أى البالغ أقصى غاية الطغيان فعلوت منه بتقديم اللام على العين بنى للمبالغة فى المصدر كالرحموت والعظموت ثم وصف به للمبالغة فى النعت والمراد به هو الشيطان (أَنْ يَعْبُدُوها) بدل اشتمال منه فإن عبادة غير الله تعالى عبادة للشيطان إذ هو الآمر بها والمزين لها (وَأَنابُوا إِلَى اللهِ) وأقبلوا إليه معرضين عما سواه إقبالا كليا (لَهُمُ الْبُشْرى) بالثواب على ألسنة الرسل أو الملائكة عند حضور الموت وحين يحشرون وبعد ذلك (فَبَشِّرْ عِبادِ) (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) هم الموصوفون بالاجتناب والإنابة بأعيانهم لكن وضع موضع ضميرهم الظاهر تشريفا لهم بالإضافة ودلالة على أن مدار اتصافهم بالوصفين الجليلين كونهم نقادا فى الدين يميزون الحق من الباطل* ويؤثرون الأفضل فالأفضل (أُولئِكَ) إشارة إليهم باعتبار اتصافهم بما ذكر من النعوت الجليلة وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبتهم وبعد منزلتهم فى الفضل ومحله الرفع على الابتداء خبره ما بعده من* الموصول أى أولئك المنعوتون بالمحاسن الجميلة (الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) للدين الحق (وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) أى هم أصحاب العقول السليمة عن معارضة الوهم ومنازعة الهوى المستحقون للهداية لا غيرهم وفيه دلالة على أن الهداية تحصل بفعل الله تعالى وقبول النفس لها (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) بيان لأحوال أضداد المذكورين على طريقة الإجمال وتسجيل عليهم بحرمان الهداية وهم عبدة الطاغوت ومتبعو خطواتها كما يلوح به التعبير عنهم بمن حق عليه كلمة العذاب فإن المراد بها قوله تعالى لإبليس (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) وقوله تعالى (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) وأصل الكلام أمن حق عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه على أنها شرطية دخل عليها الهمزة لإنكار مضمونها ثم الفاء لعطفها على جملة مستتبعة لها مقدرة بعد الهمزة ليتعلق الإنكار والنفى بمضمونيهما