(ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) (٦)
____________________________________
ورجحانها (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فيجب الإقبال الكلى على طاعته فى أوامره ونواهيه (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) فحسب لا إلى غيره لا استقلالا ولا اشتراكا فيجزى كلامن المطيع والعاصى (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ) أى بالطعن فيها واستعمال المقدمات الباطلة لإدحاض الحق كقوله تعالى (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ (إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) بها وأما الذين آمنوا فلا يخطر ببالهم شائبة شبهة منها فضلا عن الطعن فيها وأما الجدال فيها لحل مشكلاتها وكشف معضلاتها واستنباط حفائقها الكلية وتوضيح مناهج الحق فى مضايق الأفهام ومزالق الأقدام وإبطال شبه أهل الزيغ والضلال فمن أعظم الطاعات ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم إن جدالا فى* القرآن كفر بالتنكير للفرق بين جدال وجدال والفاء فى قوله تعالى (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) لترتيب النهى أو وجوب الانتهاء على ما قبلها من التسجيل عليهم بالكفر الذى لا شىء أمقت منه عند الله تعالى ولا أجلب لخسران الدنيا والآخرة فإن من تحقق ذلك لا يكاد يغتر بما لهم من حظوظ الدنيا ٥ وزخارفها فإنهم مأخوذون عما قليل أخذ من قبلهم من الأمم حسبما ينطق به قوله تعالى (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ) أى الذين تحزنوا على الرسل وناصبوهم بعد قوم نوح مثل عاد وثمود* وأضرابهم (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ) من تلك الأمم العاتية (بِرَسُولِهِمْ) وقرىء برسولها (لِيَأْخُذُوهُ) ليتمكنوا منه فيصيبوا به ما أرادوا من تعذيب أو قتل من الأخذ بمعنى الأسر (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ) الذى لا أصل ولا حقيقة له أصلا (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) الذى لا محيد عنه كما فعل هؤلاء (فَأَخَذْتُهُمْ) بسبب ذلك أخذ عزيز مقتدر (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) الذى عاقبتهم به فإن آثار دمارهم عبرة للناظرين ولآخذن هؤلاء أيضا لاتحادهم فى الطريقة واشتراكهم فى الجريرة كما ينبىء عنه قوله تعالى (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) أى كما وجب وثبت حكمه تعالى وقضاؤه بالتعذيب على أولئك الأمم المكذبة المتحزبة على رسلهم* المجادلة بالباطل لإدحاض الحق به وجب أيضا (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) أى كفروا بك وتحزنوا عليك وهموا بما لم ينالوا كما ينبىء عنه إضافة اسم الرب إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم فإن ذلك للإشعار بأن وجوب كلمة العذاب عليهم من أحكام تربيته التى من جملتها نصرته صلىاللهعليهوسلم وتعذيب أعدائه وذلك إنما يتحقق بكون الموصول* عبارة عن كفار قومه لا عن الأمم المهلكة وقوله تعالى (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) فى حيز النصب بحذف لام التعليل أى لأنهم مستحقو أشد العقوبات وأفظعها التى هى عذاب النار وملازموها أبدا لكونهم كفارا معاندين متحزبين على الرسول صلىاللهعليهوسلم كدأب من قبلهم من الأمم المهلكة فهم لسائر فنون العقوبات أشد استحقاقا وأحق استيجابا وقيل هو فى محل الرفع على أنه بدل من كلمة ربك والمعنى مثل ذلك