(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) (٥٥)
____________________________________
بِالْبَيِّناتِ) أى ألم تنبهوا على هذا ولم تك تأتيكم رسلكم فى الدنيا على الاستمرار بالحجج الواضحة الدالة على سوء مغبة ما كنتم عليه من الكفر والمعاصى كما فى قوله تعالى (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) أرادوا بذلك إلزامهم وتوبيخهم على إضاعة أوقات الدعاء وتعطيل أسباب* الإجابة (قالُوا بَلى) أى أتونا بها فكذبناهم كما نطق به قوله تعالى (بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) والفاء فى قوله تعالى (قالُوا فَادْعُوا) فصيحة كما فى قول من قال [فقد جئنا خراسانا] أى إذا كان الأمر كذلك فادعوا أنتم فإن الدعاء لمن يفعل ذلك مما يستحيل صدوره عنا وتعليل امتناعهم عن الدعاء بعدم الإذن فيه مع عرائه عن بيان أن سببه من قبلهم كما تفصح عنه الفاء ربما يوهم أن الإذن فى حيز الإمكان وأنهم لو أذن لهم فيه لفعلوا ولم يريدوا بأمرهم بالدعاء إطماعهم فى الإجابة بل إقناطهم منها وإظهار خيبتهم حسبما صرحوا فى قولهم (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أى ضياع وبطلان وقوله تعالى (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) الخ كلام مستأنف مسوق من جهته تعالى لبيان أن ما صاب الكفرة من العذاب المحكى من فروع حكم كلى تقتضيه الحكمة وهو أن شأننا المستمر* أنا ننصر رسلنا وأتباعهم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالحجة والظفر والانتقام لهم من الكفرة بالاستئصال والقتل والسبى وغير ذلك من العقوبات ولا يقدح فى ذلك ما قد يتفق لهم من صورة الغلبة امتحانا إذ* العبرة إنما هى بالعواقب وغالب الأمر (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) أى يوم القيامة عبر عنه بذلك للإشعار بكيفية النصرة وأنها تكون عند جميع الأولين والآخرين بشهادة الأشهاد للرسل بالتبليغ وعلى الكفرة بالتكذيب (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) بدل من الأول وعدم نفع المعذرة لأنها باطلة وقرىء لا تنفع بالتاء (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ) أى البعد عن الرحمة (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) أى جهنم (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى) ما يهتدى به من المعجزات والصحف والشرائع (وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) وتركنا عليهم من بعده التوراة (هُدىً وَذِكْرى) هداية وتذكرة أو هاديا ومذكرا (لِأُولِي الْأَلْبابِ) لذوى العقول السليمة العاملين بما فى تضاعيفه (فَاصْبِرْ) على ما نالك من أذية المشركين (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) أى وعده الذى ينطق به قوله تعالى (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) أو وعده الخاص بك أو* جميع مواعيده التى من جملتها ذلك (حَقٌّ) لا يحتمل الإخلاف أصلا واستشهد بحال موسى وفرعون