(إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) (٥٨)
____________________________________
(وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) تداركا لما فرط منك من ترك الأولى فى بعض الأحايين فإنه تعالى كافيك فى نصرة دينك وإظهاره على الدين كله (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) أى ودم على التسبيح ملتبسا بحمده* تعالى وقيل صل لهذين الوقتين إذ كان الواجب بمكة ركعتين بكرة وركعتين عشيا وقيل صل شكرا لربك بالعشى والإبكار وقيل هما صلاة العصر وصلاة الفجر (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) ويجحدون بها (بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ) فى ذلك من جهته تعالى وتقييد المجادلة بذلك مع استحالة إتيانه للإيذان بأن التكلم فى أمر الدين لا بد من استناده إلى سلطان مبين البتة وهذا عام لكل مجادل مبطل وإن نزل فى مشركى مكة وقوله تعالى (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) خبر لإن أى ما فى قلوبهم إلا تكبر عن الحق وتعظم عن التفكر* والتعلم أو إلا إرادة الرياسة والتقدم على الإطلاق أو إلا إرادة أن تكون النبوة لهم دونك حسدا وبغيا حسبما قالوا لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وقالو لو كان خيرا ما سبقونا إليه ولذلك يجادلون فيها لا أن فيها موقع جدال ما وأن لهم شيئا يتوهم أن يصلح مدارا لمجادلتهم فى الجملة وقوله تعالى (ما هُمْ بِبالِغِيهِ) صفة لكبر قال مجاهد ما هم ببالغى مقتضى ذلك الكبر وهو ما أرادوه من الرياسة أو النبوة وقيل المجادلون هم اليهود وكانوا يقولون لست صاحبنا المذكور فى التوراة بل هو المسيح بن داود يريدون الدجال يخرج فى آخر الزمان ويبلغ سلطانه البر والبحر وتسير معه الأنهار وهو آية من آيات الله تعالى فيرجع إلينا الملك فسمى الله تعالى تمنيهم ذلك كبرا ونفى أن يبلغوا متمناهم (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أى فالتجىء* إليه من كيد من يحسدك ويبغى عليك وفيه رمز إلى أنه من همزات الشياطين (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) لأقوالكم وأفعالكم وقوله تعالى (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) تحقيق للحق وتبيين لأشهر ما يجادلون فيه من أمر البعث على منهاج قوله تعالى (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لقصورهم فى النظر والتأمل لفرط غفلتهم واتباعهم لأهوائهم* (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أى الغافل والمستبصر (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ) أى والمحسن والمسىء فلا بد أن تكون لهم حال أخرى يظهر فيها ما بين الفريقين من التفاوت وهى فيما بعد البعث وزيادة لا فى المسىء لتأكيد النفى لطول الكلام بالصلة ولأن المقصود نفى مساواته للمحسن فيما له من الفضل والكرامة والعاطف الثانى عطف الموصول بما عطف عليه على الأعمى والبصير لتغاير الوصفين فى المقصود أو الدلالة بالصراحة والتمثيل (قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) على الخطاب بطريق الالتفات