(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ) (٧٣)
____________________________________
ترتب المكونات على تكوينه من غير أن يكون هناك أمر ومأمور والفاء الأولى للدلالة على أن ما بعدها من نتائج ما قبلها من اختصاص الإحياء والإماتة به سبحانه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ) تعجيب من أحوالهم الشنيعة وآرائهم الركيكة وتمهيد لما يعقبه من بيان تكذيبهم بكل القرآن وبسائر الكتب والشرائع وترتيب الوعيد على ذلك كما أن ما سبق من قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) الخ بيان لابتناء جدالهم على مبنى فاسد لا يكاد يدخل تحت الوجود هو الأمنية الفارغة فلا تكرير فيه أى انظر إلى هؤلاء المكابرين المجادلين فى آياته تعالى الواضحة الموجبة للإيمان بها الزاجرة عن الجدال فيها كيف يصرفون عنها مع تعاضد الدواعى إلى الإقبال عليها وانتفاء الصوارف عنها بالكلية وقوله تعالى (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ) أى بكل القرآن أو بجنس الكتب السماوية فإن تكذيبه تكذيب لها فى محل الجر على أنه بدل من الموصول الأول أو فى حيز النصب أو الرفع على الذم وإنما وصل الموصول الثانى بالتكذيب دون المجادلة لأن المعتاد وقوع المجادلة فى بعض المواد لا فى الكل وصيغة الماضى للدلالة على التحقق كما أن صيغة المضارع فى الصلة الأولى للدلالة على تجدد المجادلة وتكررها (وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا) من سائر الكتب أو مطلق الوحى والشرائع (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) كنه ما فعلوا من الجدال والتكذيب عند مشاهدتهم لعقوباته (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) ظرف ليعلمون إذ المعنى على الاستقبال ولفظ الماضى لتيقنه (وَالسَّلاسِلُ) عطف على الأغلال والجار فى نية التأخير وقيل مبتدأ* حذف خبره لدلالة خبر الأول عليه وقيل قوله تعالى (يُسْحَبُونَ) بحذف العائد أى يسحبون بها وهو على الأولين حال من المستكن فى الظرف وقيل استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية حالهم كأنه قيل فماذا يكون حالهم بعد ذلك فقيل يسحبون (فِي الْحَمِيمِ) وقرىء والسلاسل يسحبون بالنصب وفتح الياء على تقديم المفعول وعطف الفعلية على الاسمية والسلاسل بالجر حملا على المعنى لأن قوله تعالى* الأغلال فى اعناقهم فى معنى أعناقهم فى الأغلال أو إضمارا للباء ويدل عليه القراءة به (ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) أى يحرقون من سجر التنور إذا ملأه بالوقود ومنه السجير للصديق كأنه سجر بالحب أى ملىء والمراد بيان أنهم يعذبون بأنواع العذاب وينقلون من باب إلى باب (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ)