(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤) مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٦)
____________________________________
على رأسه فيفرق فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب* ما يصرفه ذلك عن دينه (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) أى فى قولهم آمنا (وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) فى ذلك والفاء لترتيب ما بعدها على ما يفصح عنه ما قبلها من وقوع الامتحان واللام جواب القسم والالتفات إلى الاسم الجليل لإدخال الروعة وتربية المهابة وتكرير الجواب لزيادة التأكيد والتقرير أى فو الله ليتعلقن علمه بالامتحان تعلقا حاليا يتميز به الذين صدقوا فى الإيمان الذى أظهروه والذين هم كاذبون فيه مستمرون على الكذب ويترتب عليه أجزيتهم من الثواب والعقاب ولذلك قيل المعنى ليميزن أو ليجازين وقرىء وليعلمن من الأعلام أى وليعرفنهم الناس أو ليسمنهم بسمة يعرفون بها يوم القيامة كبياض الوجوه وسوادها (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا) أى يفوتونا فلا نقدر على مجازاتهم بمساوى أعمالهم وهو ساد مسد مفعولى حسب لاشتماله على مسند ومسند إليه وأم منقطعة وما فيها من معنى بل للإضراب والانتقال عن التوبيخ بإنكار حسبانهم متروكين غير مفتونين إلى التوبيخ بإنكار ما هو أبطل من الحسبان الأول وهو حسبانهم أن لا يجازوا بسيئاتهم وهم وإن لم يحسبوا أنهم يفوتونه تعالى ولم يحدثوا نفوسهم بذلك لكنهم حيث أصروا على المعاصى ولم يتفكروا فى العاقبة نزلوا منزلة من يطمع فى ذلك كما فى قوله تعالى (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أى بئس الذى يحكمونه حكمهم ذلك أو بئس حكما يحكمونه حكمهم ذلك (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) أى يتوقع ملاقاة جزائه ثوابا أو عقابا أو ملاقاة حكمه يوم القيامة وقيل يرجو لقاء الله عزوجل فى الجنة وقيل يرجو ثوابه وقيل يخاف عقابه وقيل لقاؤه تعالى عبارة عن الوصول إلى العاقبة من تلقى ملك الموت والبعث والحساب والجزاء على تمثيل تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل وقد علم مولاه بجميع ما كان يأتى ويذر فإما أن يلقاه ببشر وكرامة لما رضى من أفعاله* أو بضده لما سخطه (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ) الأجل عبارة عن غاية زمان ممتد عينت لأمر من الأمور وقد يطلق* على كل ذلك الزمان والأول هو الأشهر فى الاستعمال أى فإن الوقت الذى عينه تعالى لذلك (لَآتٍ) لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه لأن أجزاء الزمان على التقضى والتصرم دائما فلا بد من إتيان ذلك الجزاء أيضا البتة وإتيان وقته موجب لإتيان اللقاء حتما والجواب محذوف أى فليختر من الأعمال ما يؤدى إلى حسن الثواب وليحذر ما يسوقه إلى سوء العذاب كما فى قوله تعالى (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) وفيه من الوعد والوعيد مالا يخفى وقيل فليبادر إلى* ما يحقق أمله ويصدق رجاءه أو ما يوجب القربة والزلفى (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوال العباد (الْعَلِيمُ) بأحوالهم من الأعمال الظاهرة والعقائد (وَمَنْ جاهَدَ) فى طاعة الله عزوجل (فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) لعود منفعتها