(إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (١٩)
____________________________________
* بإضمار اذكر وقرىء بالرفع على تقدير ومن المرسلين إبراهيم (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) على الأول ظرف للإرسال أى أرسلناه حين تكامل عقله وقدر على النظر والاستدلال وترقى من رتبة الكمال إلى درجة التكميل* حيث تصدى لإرشاد الخلق إلى طريق الحق وعلى الثانى بدل اشتمال من إبراهيم (اعْبُدُوا اللهَ) أى وحده (وَاتَّقُوهُ) أن تشركوا به شيئا (ذلِكُمْ) أى ما ذكر من العبادة والتقوى (خَيْرٌ لَكُمْ) أى مما أنتم عليه* ومعنى التفضيل مع أنه لا خيرية فيه قطعا باعتبار زعمهم الباطل (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أى الخير والشر وتميزون أحدهما من الآخر أو إن كنتم تعلمون شيئا من الأشياء بوجه من الوجوه فإن ذلك كاف فى الحكم بخيرية ما ذكره من العبادة والتقوى (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) بيان لبطلان دينهم وشريته فى نفسه بعد بيان شريته بالنسبة إلى الدين الحق أى إنما تعبدون من دونه تعالى أوثانا هى فى نفسها تماثيل* مصنوعة لكم ليس فيها وصف غير ذلك (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) أى وتكذبون كذبا حيث تسمونها آلهة وتدعون أنها شفعاؤكم عند الله تعالى أو تعملونها وتنحتونها للإفك وقرىء تخلقون بالتشديد للتكثير فى الخلق بمعنى الكذب والافتراء وتخلقون بحذف إحدى التاءين من تخلق بمعنى تكذب وتخرص وقرىء* أفكا على أنه مصدر كالكذب واللعب أو نعت بمعنى خلقا ذا إفك (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) بيان لشرية ما يعبدونه من حيث إنه لا يكاد يجديهم نفعا (لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) أى لا يقدرون على أن يرزقوكم شيئا من الرزق (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ) كله فإنه هو الرزاق ذو القوة المتين (وَاعْبُدُوهُ) وحده (وَاشْكُرُوا لَهُ) على نعمائه متوسلين إلى مطالبكم بعبادته مقيدين بالشكر للعتيد ومستجلبين للمزيد (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أى بالموت ثم بالبعث لا إلى غيره فافعلوا ما أمرتكم به وقرىء ترجعون من رجع رجوعا (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) أى تكذبونى فيما أخبرتكم به من أنكم إليه ترجعون بالبعث (فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) تعليل للجواب أى فلا تضروننى بتكذيبكم فإن من قبلكم من الأمم قد كذبوا من قبلى من الرسل وهم شيث وإدريس ونوح عليهمالسلام فلم يضرهم تكذيبهم شيئا وإنما ضر أنفسهم حيث تسبب لما حل بهم من العذاب فكذا تكذيبكم (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أى التبليغ الذى لا يبقى معه شك وما عليه أن يصدقه قومه البتة وقد خرجت عن عهدة التبليغ بما لا مزيد عليه فلا يضرنى تكذيبكم بعد ذلك أصلا (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) كلام مستأنف مسوق من جهته تعالى للإنكار على تكذيبهم بالبعث مع وضوح دليله وسنوح سبيله والهمزة لإنكار عدم رؤيتهم الموجب لتقريرها والواو للعطف على مقدر أى ألم ينظروا