(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٢٢)
____________________________________
ولم يعلموا علما جاريا مجرى الرؤية فى الجلاء والظهور كيفية خلق الله تعالى الخلق ابتداء من مادة ومن غير مادة أى قد علموا ذلك وقرىء بصيغة الخطاب لتشديد الإنكار وتأكيده وقرىء يبدأ وقوله تعالى (ثُمَّ يُعِيدُهُ) عطف على (أَوَلَمْ يَرَوْا) لا على (يُبْدِئُ) لعدم وقوع الرؤية عليه فهو إخبار بأنه تعالى يعيد الخلق* قياسا على الإبداء وقد جوز العطف على يبدىء بتأويل الإعادة بإنشائه تعالى كل سنة مثل ما أنشأه فى السنة السابقة من النبات والثمار وغيرهما فإن ذلك مما يستدل به على صحة البعث ووقوعه من غير ريب (إِنَّ ذلِكَ) أى ما ذكر من الإعادة (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) إذ لا يفتقر فعله إلى شىء أصلا (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أمر لإبراهيم عليهالسلام أن يقول لهم ذلك أى سيروا فيها (فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) أى كيف خلقهم ابتداء على أطوار مختلفة وطبائع متغايرة وأخلاق شتى فإن ترتيب النظر على السير فى الأرض مؤذن بتتبع أحوال أصناف الخلق القاطنين فى أقطارها (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) بعد النشأة الأولى التى* شاهدتموها والتعبير عن الإعادة التى هى محل النزاع بالنشأة الآخرة المشعرة بكون البدء نشأة أولى للتنبيه على أنهما شأن واحد من شؤون الله تعالى حقيقة واسما من حيث إن كلا منهما اختراع وإخراج من العدم إلى الوجود ولا فرق بينهما إلا بالأولية والآخرية وقرىء النشاءة بالمد وهما لغتان كالرأفة والرآفة ومحلها النصب على أنها مصدر مؤكد لينشىء بحذف الزوائد والأصل الإنشاءة أو بحذف العامل أى ينشىء فينشأون النشأة الآخرة كما فى قوله تعالى (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) والجملة معطوفة على جملة (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) داخلة معها فى حيز القول وإظهار الاسم الجليل وإيقاعه مبتدأ مع إضماره فى بدأ لإبراز مزيد الاعتناء ببيان تحقق الإعادة بالإشارة إلى علة الحكم وتكرير الإسناد وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) * تعليل لما قبله بطريق التحقيق فإن من علم قدرته تعالى على جميع الأشياء التى من جملتها الإعادة لا يتصور أن يتردد فى قدرته عليها ولا فى وقوعها بعد ما أخبر به (يُعَذِّبُ) أى بعد النشأة الآخرة (مَنْ يَشاءُ) أن يعذبه وهم المنكرون لها حتما (وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) أن يرحمه وهم المصدقون بها والجملة تكملة لما قبلها وتقديم التعذيب لما أن الترهيب أنسب بالمقام من الترغيب (وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) عند ذلك لا إلى غيره فيفعل بكم ما يشاء من التعذيب والرحمة (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) له تعالى عن إجراء حكمه وقضائه عليكم (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) أى بالتوارى فى الأرض أو الهبوط فى مهاويها ولا بالتحصن فى السماء التى هى أفسح منها لو استطعتم الرقى فيها كما فى قوله تعالى (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) أو