(بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٧)
____________________________________
غلبت على ريف الشام وسيغلبهم المسلمون وقد غزاهم المسلمون فى السنة التاسعة من نزولها ففتحوا بعض بلادهم فإضافة الغلب حينئذ إلى الفاعل (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) أى فى أول الوقتين وفى آخرهما حين غلبوا وحين يغلبون كأنه قيل من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين والمعنى أن كلا من كونهم مغلوبين أولا وغالبين آخرا ليس إلا بأمر الله تعالى وقضائه وتلك الأيام نداولها بين الناس وقرىء من قبل ومن بعد بالجر من غير تقدير مضاف إليه واقتطاعه كأنه قيل قبلا وبعدا بمعنى أولا وآخرا (وَيَوْمَئِذٍ) أى يوم إذ يغلب الروم على فارس ويحل ما وعده الله تعالى من غلبتهم (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) (بِنَصْرِ اللهِ) وتغليبه من له كتاب على من لا كتاب له وغيظ من شمت بهم من كفار مكة وكون ذلك من دلائل غلبة المؤمنين على الكفار وقيل نصر الله إظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم على فارس وقيل نصره تعالى أنه ولى بعض الظالمين بعضا وفرق بين كلمتهم حتى تناقصوا وتفانوا وقل كل منهم شوكة الآخر وفى ذلك قوة وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أنه وافق ذلك يوم بدر وفيه من نصر الله العزيز للمؤمنين وفرحهم بذلك ما لا يخفى* والأول هو الأنسب لقوله تعالى (يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ) أى من يشاء أن ينصره من عباده على عدوه ويغلبه عليه فإنه استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ (وَهُوَ الْعَزِيزُ) المبالغ فى العزة* والغلبة فلا يعجزه من يشاء أن ينصر عليه كائنا من كان (الرَّحِيمُ) المبالغ فى الرحمة فينصر من يشاء أن ينصره أى فريق كان والمراد بالرحمة هى الدنيوية أما على القراءة المشهورة فظاهر لما أن كلا الفريقين لا يستحق الرحمة الأخروية وأما على القراءة الأخيرة فلأن المسلمين وإن كانوا مستحقين لها لكن المراد ههنا نصرهم الذى هو من آثار الرحمة الدنيوية وتقديم وصف العزة لتقدمه فى الاعتبار (وَعْدَ اللهِ) مصدر مؤكد لنفسه لأن ما قبله فى معنى الوعد كأنه قيل وعد الله وعدا (لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) أى وعد كان مما يتعلق بالدنيا والآخرة لاستحالة الكذب عليه سبحانه وإظهار الاسم الجليل فى موقع الإضمار لتعليل الحكم وتفخيمه والجملة استئناف مقرر لمعنى المصدر وقد جوز أن تكون حالا منه فيكون كالمصدر الموصوف كأنه قيل وعد الله وعدا غير مخلف (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أى ما سبق من شئونه تعالى (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) وهو ما يشاهدونه من زخارفها وملاذها وسائر أحوالها الموافقة لشهواتهم الملائمة لأهوائهم المستدعية لانهماكهم فيها وعكوفهم عليها لا تمتعهم بزخارفها وتنعمهم بملاذها كما قيل فإنهما ليسا مما علموه منها بل من أفعالهم المترتبة على علومهم وتنكير ظاهرا للتحقير والتخسيس