(فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (٢٤)
____________________________________
لما أن معمول الصلة لا يتقدمها (فَخَرَجَ مِنْها) أى من المدينة (خائِفاً يَتَرَقَّبُ) لحوق الطالبين (قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) خلصنى منهم واحفظنى من لحوقهم (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) أى نحو مدين وهى قرية شعيب عليهالسلام سميت باسم مدين بن إبراهيم ولم تكن تحت سلطان فرعون وكان بينها وبين مصر مسيرة ثمانية أيام (قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) توكلا على الله تعالى وثقة بحسن توفيقه وكان لا يعرف الطرق فعن له ثلاث طرائق فأخذ فى الوسطى وجاء الطلاب فشرعوا فى الأخريين وقيل خرج حافيا لا يعيش إلا بورق الشجر فما وصل حتى سقط خف قدميه وقيل جاء ملك على فرس وبيده عنزة فانطلق به إلى مدين (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) أى وصل إليه وهو بئر كانوا يسقون منه (وَجَدَ عَلَيْهِ) أى فوق شفيرها (أُمَّةً) جماعة كثيفة (مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) أى مواشيهم (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) أى فى موضع أسفل منهم (امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) أى تمنعان ما معهما من الأغنام عن التقدم إلى البئر كيلا تختلط بأغنامهم مع عدم الفائدة فى التقدم (قالَ) عليهالسلام لهما حين رآهما على ما هما عليه من التأخر والذود (ما خَطْبُكُما) * ما شأنكما فيما أنتما عليه من التأخر والذود ولم لا تباشران السقى كدأب هؤلاء (قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) أى عادتنا أن لا نسقى حتى يصرف الرعاة مواشيهم بعدريها عن الماء عجزا عن مساجلتهم وحذرا عن مخالطة الرجال لا أنا لا نسقى اليوم إلى تلك الغاية وحذف مفعول السقى والذود والإصدار لما أن الغرض هو بيان تلك الأفعال أنفسها إذ هى التى دعت موسى عليهالسلام إلى ما صنع فى حقهما من المعروف فإنه عليه الصلاة والسلام إنما رحمهما لكونهما على الذياد للعجز والعفة وكونهم على السقى غير مبالين بهما وما رحمهما لكون مذودهما غنما ومسقيهم إبلا مثلا وقرىء لا نسقى من الإسقاء ويصدر من الصدور والرعاء بضم الراء وهو اسم جمع كالرخاء وأما الرعاء فجمع قياسى كصيام وقيام وقوله تعالى* (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) إبراء منهم للعذر إليه عليهالسلام فى توليهما للسقى بأنفسهما كأنهما قالتا إنا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مساجلة الرجال ومزاحمتهم وما لنار جل يقوم بذلك وأبونا شيخ كبير السن قد اضعفه الكبر فلا بد لنا من تأخير السقى إلى أن يقضى الناس أو طارهم من الماء (فَسَقى لَهُما) رحمة عليهما والكلام فى حذف مفعوله كما مر آنفا روى أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال وقيل عشرة وقيل أربعون وقيل مائة فأقله وحده مع ما كان به من الوصب والجراحة والجوع ولعله