(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٤) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٦)
____________________________________
من رسول قبله صلىاللهعليهوسلم أى ما أتاهم من نذير من قبل إنذارك أو من قبل زمانك والترجى معتبر من جهته صلىاللهعليهوسلم أى لتنذرهم راجيا لاهتدائهم أو لرجاء اهتدائهم واعلم أن ما ذكر من التأييد إنما يتسنى على ما ذكر من كون تنزيل الكتاب مبتدأ وأما على سائر الوجوه فلا تأييد أصلا لأن قوله تعالى (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) خبر رابع على الوجه الأول وخبر ثالث على الوجهين الأخيرين وأياما كان فكونه (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) حكم مقصود الإفادة لا قيد لحكم آخر فتدبر (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) مر بيانه فيما سلف (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ) أى مالكم إذا جاوزتم رضاه تعالى أحد ينصركم ويشفع لكم ويجيركم من بأسه أى ما لكم سواه ولى ولا شفيع بل هو الذى يتولى مصالحكم وينصركم فى مواطن النصر على أن الشفيع عبارة عن الناصر مجازا فإذا خذلكم لم يبق لكم ولى ولا نصير (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) أى ألا تسمعون هذه المواعظ فلا تتذكرون بها أو أتسمعونها فلا تتذكرون بها فالإنكار على الأول متوجه إلى عدم السماع وعدم التذكر معا وعلى الثانى على عدم التذكر مع تحقق ما يوجبه من السماع (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) قيل يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية من الملائكة وغيرها نازلة آثارها وأحكامها إلى الأرض (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) أى يثبت فى علمه موجودا بالفعل (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) أى فى برهة من الزمان متطاولة والمراد بيان طول امتداد ما بين تدبير الحوادث وحدوثها من الزمان وقيل يدبر أمر الحوادث اليومية بإثباتها فى اللوح المحفوظ فينزل بها الملائكة ثم تعرج إليه فى زمان هو كألف سنة مما تعدون فإن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام وقيل يقضى قضاء ألف سنة فينزل به الملك ثم يعرج بعد الألف لألف آخر وقيل يدبر أمر الدنيا جميعا إلى قيام الساعة ثم يعرج إليه الأمر كله عند قيامها وقيل يدبر المأمور به من الطاعات منزلا من السماء إلى الأرض بالوحى ثم لا يعرج إليه خالصا إلا فى مدة متطاولة لقلة المخلصين والأعمال الخلص وأنت خبير بأن قلة الأعمال الخالصة لا تقتضى بطء عروجها إلى السماء بل قلته وقرىء يعدون بالياء (ذلِكَ) إشارة إلى الله عزوجل باعتبار اتصافه بما ذكر من خلق السموات والأرض والاستواء على العرش وإنحصار الولاية والنصرة فيه وتدبير أمر الكائنات على ما ذكر من الوجه البديع وهو مبتدأ خبره ما بعده أى ذلك العظيم الشأن (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) فيدبر أمرهما حسبما تقتضيه الحكمة (الْعَزِيزُ) الغالب على أمره