(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١٣)
____________________________________
من الرجعة وأنى لهم ذلك ويجوز أن يقدر لكل من الفعلين مفعول مناسب له مما يبصرونه ويسمعونه فإنهم حينئذ يشاهدون الكفر والمعاصى على صور منكرة هائلة ويخبرهم الملائكة بأن مصيرهم إلى النار لا محالة فالمعنى أبصرنا قبح أعمالنا وكنا نراها فى الدنيا حسنة وسمعنا أن مردنا إلى النار وهو الأنسب لما بعده من الوعد بالعمل الصالح هذا وقد قيل المعنى وسمعنا منك تصديق رسلك وأنت خبير بأن تصديقه تعالى لهم حينئذ يكون بإظهار مدلول ما أخبروا به من الوعد والوعيد لا بالإخبار بأنهم صادقون حتى يسمعوه وقيل وسمعنا قول الرسل أى سمعناه سمع طاعة وإذعان ولا يقدر لترى مفعول إذ المعنى لو تكون منك رؤية فى ذلك الوقت أو يقدر ما ينبىء عنه صلة إذ والمضى فيها وفى لو باعتبار أن الثابت فى علم الله تعالى بمنزلة الواقع وجواب لو محذوف أى لرأيت أمرا فظيعا لا يقادر قدره والخطاب لكل أحد ممن يصلح له كائنا من كان إذ المراد بيان كمال سوء حالهم وبلوغها من الفظاعة إلى حيث لا يختص استغرابها واستفظاعها براء دون راء ممن اعتاد مشاهدة الأمور البديعة والدواهى الفظيعة بل كل من يتأتى منه الرؤية يتعجب من هولها وفظاعتها هذا ومن علل عموم الخطاب بالقصد إلى بيان أن حالهم قد بلغت من الظهور إلى حيث يمتنع خفاؤها البتة فلا تختص رؤية راء دون راء بل كل من يتأتى منه الرؤية فله مدخل فى هذا الخطاب فقد نأى عن تحقيق الحق لأن المقصود بيان كمال فظاعة حالهم كما يفصح عنه الجواب المحذوف لا بيان كمال ظهورها فإنه مسوق مساق المسلمات فتدبر (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) مقدر بقول معطوف على ما قدر قبل قوله تعالى (رَبَّنا أَبْصَرْنا) الخ أى ونقول لو شئنا أى لو تعلقت مشيئتنا تعلقا فعليا بأن نعطى كل نفس من النفوس البرة والفاجرة ما تهتدى به إلى الإيمان والعمل الصالح لأعطيناها إياه فى الدنيا التى هى دار الكسب وما أخرناه إلى دار الجزاء (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) أى* سبقت كلمتى حيث قلت لإبليس عند قوله (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) وهو المعنى بقوله تعالى (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) كما يلوح به تقديم الجنة على الناس فبموجب ذلك القول لم نشأ إعطاء الهدى على العموم بل منعناه من أتباع إبليس الذين أنتم من جملتهم حيث صرفتم اختياركم إلى الغى بإغوائه ومشيئتنا لأفعال العباد منوطة باختيارهم إياها فلما لم تختاروا الهدى واخترتم الضلالة لم نشأ إعطاءه لكم وإنما أعطيناه الذين اختاروه من النفوس البرة وهم المعنيون بما سيأتى من قوله تعالى (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا) الآية فيكون مناط عدم مشيئة إعطاء الهدى فى الحقيقة سوء اختيارهم لا تحقق القول وإنما قيدنا المشيئة بما مر من التعليق الفعلى بأفعال العباد عند حدوثها لأن المشيئة الأزلية من حيث تعلقها بما سيكون من أفعالهم إجمالا متقدمة على تحقق كلمة العذاب فلا يكون عدمها منوطا بتحققها وإنما مناطه علمه تعالى أزلا بصرف