(فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤) إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (١٦)
____________________________________
اختيارهم فيما سيأتى إلى الغى وإيثارهم له على الهدى فلو أريدت هى من تلك الحيثية لاستدرك بعدمها ونيط ذلك بما ذكر من المناط على منهاج قوله تعالى (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) فمن توهم أن المعنى ولو شئنا لأعطينا كل نفس ما عندنا من اللطف الذى لو كان منهم اختياره لاهتدوا ولكن لم نعطهم لما علمنا منهم اختيار الكفر وإيثاره فقد اشتبه عليه الشئون والفاء فى قوله تعالى (فَذُوقُوا) لترتيب الأمر بالذوق على ما يعرب عنه ما قبله من نفى الرجع إلى الدنيا أو على الوعيد المحكى والباء فى قوله تعالى (بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) للإيذان بأن تعذيبهم ليس لمجرد سبق الوعيد به فقط بل هو وسبق الوعيد أيضا بسبب موجب له من قبلهم كأنه قيل لا رجع لكم إلى الدنيا أو حق وعيدى فذوقوا بسبب نسيانكم لقاء هذا اليوم الهائل وترككم التفكر فيه والاستعداد له بالكلية (إِنَّا نَسِيناكُمْ) أى تركناكم فى العذاب ترك المنسى بالمرة* وقوله تعالى (وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) تكرير للتأكيد والتشديد وتعيين المفعول المطوى للذوق والإشعار بأن سببه ليس مجرد ما ذكر من النسيان بل له أسباب أخر من فنون الكفر والمعاصى التى كانوا مستمرين عليها فى الدنيا وعدم نظم الكل فى سلك واحد للتنبيه على استقلال كل منها فى استيجاب العذاب وفى إبهام المذوق أولا وبيانه ثانيا بتكرير الأمر وتوسيط الاستئناف المنبىء عن كمال السخط بينهما من الدلالة على غاية التشديد فى الانتقام منهم مالا يخفى وقوله تعالى (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا) استئناف مسوق لتقرير عدم استحقاقهم لإيتاء الهدى والإشعار بعدم إيمانهم لو أوتوه بتعيين من يستحقه بطريق القصر كأنه قيل إنكم لا تؤمنون بآياتنا ولا تعملون بموجبها عملا صالحا ولو رجعناكم إلى الدنيا كما تدعون* حسبما ينطق به قوله تعالى (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) وإنما يؤمن بها (الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها) أى وعظوا (خَرُّوا سُجَّداً) آثر ذى أثير من غير تردد ولا تلعثم فضلا عن التسويف إلى معاينة ما نطقت به من الوعد* والوعيد أى سقطوا على وجوههم (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أى ونزهوه عند ذلك عن كل مالا يليق به من الأمور التى من جملتها العجز عن البعث ملتبسين بحمده تعالى على نعمائه التى أجلها الهداية بإيتاء الآيات والتوفيق للاهتداء بها والتعرض لعنوان الربوبية بطريق الالتفات مع الإضافة إلى ضميرهم للإشعار بعلة التسبيح والتحميد وبأنهم يفعلونهما بملاحظة ربوبيته تعالى لهم (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) أى والحال أنهم خاضعون له تعالى لا يستكبرون عما فعلوا من الخرور والتسبيح والتحميد (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ) أى تنبو وتتنحى (عَنِ الْمَضاجِعِ) أى الفرش ومواضع المنام والجملة مستأنفة لبيان بقية محاسنهم وهم المتهجدون بالليل قال أنس رضى الله عنه نزلت فينا معاشر الأنصار كنا نصلى المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلى