(لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) (٩)
____________________________________
اندارجهم فى النبيين اندارجا بينا للإيذان بمزيد مزيتهم وفضلهم وكونهم من مشاهير أرباب الشرائع* وأساطين أولى العزم من الرسل وتقديم نبينا عليهم عليهم الصلاة والسلام لإبانة خطره الجليل (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) أى عهدا عظيم الشأن أو مؤكدا باليمين وهذا هو الميثاق الأول بعينه وأخذه هو أخذه والعطف مبنى على تنزيل التغاير العنوانى منزلة التغاير الذاتى تفخيما لشأنه كما فى قوله تعالى (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) إثر قوله تعالى (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) وقوله تعالى (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) متعلق بمضمر مستأنف مسوق لبيان ما هو داع إلى ما ذكر من أخذ الميثاق وغاية له لا بأخذنا فإن المقصود تذكير نفس الميثاق ثم بيان الغرض منه بيانا قصديا كما ينبىء عنه تغيير الأسلوب بالالتفات إلى الغيبة أى فعل الله ذلك ليسأل يوم القيامة الأنبياء ووضع الصادقين موضع ضميرهم للإيذان من أول الأمر بأنهم صادقون فيما سئلوا عنه وإنما السؤال لحكمة تقتضيه أى ليسأل الأنبياء الذين صدقوا عهدهم عما قالوه لقومهم أو عن تصديقهم إياهم تبكيتا لهم كما فى قوله تعالى (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ) أو المصدقين لهم عن تصديقهم فإن مصدق الصادق صادق وتصديقه صدق وأما ما قيل من أن المعنى ليسأل المؤمنين الذين صدقوا عهدهم حين أشهدهم على أنفسهم عن صدقهم عهدهم فيأباه مقام تذكير ميثاق النبيين* وقوله تعالى (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً) عطف على ما ذكر من المضمر لا على أخذنا كما قيل والتوجيه بأن بعثة الرسل وأخذ الميثاق منهم لإثابة المؤمنين أو بأن المعنى أن الله تعالى أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين تعسف ظاهر مع أنه مفض إلى كون بيان إعداد العذاب الأليم للكافرين غير مقصود بالذات نعم يجوز عطفه على ما دل عليه قوله تعالى (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ) كأنه قيل فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) إن جعل النعمة مصدرا فالجار متعلق بها وإلا فهو متعلق بمحذوف هو حال منها أى كائنة عليكم (إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) ظرف لنفس النعمة أو لثبوتها لهم وقيل منصوب باذكروا على أنه بدل اشتمال من نعمة الله والمراد بالجنود الأحزاب وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير وكانوا زهاء اثنى عشر ألفا فلما سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة بإشارة سلمان الفارسى ثم خرج فى ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب معسكره والخندق بينه وبين القوم وأمر بالذرارى والنساء فرفعوا فى الآطام واشتد الخوف وظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق فى المنافقين حتى قال معتب بن قشير كان محمد يعدنا كنوز كسرى وقيصر ولا نقدر أن نذهب إلى الغائط ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبى جهل وهبيرة بن أبى وهب ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب ومرداس أخو بنى محارب قد ركبوا