(وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ يَسِيراً (١٤) وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً (١٥) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (١٧)
____________________________________
(إِنْ يُرِيدُونَ) ما يريدون بالاستئذان (إِلَّا فِراراً) من القتال (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ) أسند الدخول إلى بيوتهم وأوقع عليهم لما أن المراد فرض دخولها وهم فيها لا فرض دخولها مطلقا كما هو المفهوم لو لم يذكر الجار والمجرور ولا فرض الدخول عليهم مطلقا كما هو المفهوم لو أسند إلى الجار والمجرور (مِنْ أَقْطارِها) أى من جميع جوانبها لا من بعضها دون بعض فالمعنى لو كانت بيوتهم مختلة بالكلية* ودخلها كل من أراد من أهل الدعارة والفساد (ثُمَّ سُئِلُوا) من جهة طائفة أخرى عند تلك النازلة والرجفة الهائلة (الْفِتْنَةَ) أى الردة والرجعة إلى الكفر مكان ما سئلوا الآن من الإيمان والطاعة (لَآتَوْها) لأعطوها غير مبالين بما دهاهم من الداهية الدهياء والغارة الشعواء وقرىء لأتوها بالقصر أى لفعلوها وجاءوها (وَما تَلَبَّثُوا بِها) بالفتنة أى ما ألبثوها وما أخروها (إِلَّا يَسِيراً) ريثما يسع* السؤال والجواب من الزمان فضلا عن التعلل باختلال البيوت مع سلامتها كما فعلوا الآن وقيل ما لبثوا بالمدينة بعد الارتداد إلا يسيرا والأول هو اللائق بالمقام هذا وأما تخصيص فرض الدخول بتلك العساكر المتحزبة فمع منافاته للعموم المستفاد من تجريد الدخول عن الفاعل ففيه ضرب من فساد الوضع لما عرفت من أن مساق النظم الكريم لبيان أنهم إذا دعوا إلى الحق تعللوا بشىء يسيروان دعوا إلى الباطل سارعوا إليه آثر ذى أثير من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم ففرض الدخول عليهم من جهة العساكر المذكورة وإسناد سؤال الفتنة والدعوة إلى الكفر إلى طائفة أخرى مع أن العساكرهم المعروفون بعداوة الدين المباشرون لقتال المؤمنين المصرون على الإعراض عن الحق المجدون فى الدعاء إلى الكفر والضلال بمعزل من التقريب (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) فإن بنى حارثة عاهدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد حين فشلوا أن لا يعودوا لمثله وقيل هم قوم غابوا عن وقعة بدر ورأوا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة والفضيلة فقالوا لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) مطلوبا مقتضى حتى يوفى به وقيل مسئولا عن الوفاء به ومجازى عليه (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ) فإنه لا بد لكل شخص من حتف أنف أو قتل سيف فى وقت معين سبق به القضاء وجرى عليه القلم (وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) أى وإن نفعكم الفرار مثلا فمتعتم بالتأخير لم يكن ذلك التمتيع إلا تمتيعا قليلا أو زمانا قليلا (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ