منتجا في طبيعته وغايته.
إنّ هذه الآيات تدعو المؤمنين إلى الإنفاق من الطيبات مما يملكونه من المال ليكونوا النموذج الإيجابي المنفتح على العطاء من قاعدة الخير الكافي في ذاته على أساس حبه له وللناس الذين يعانون الحرمان في ظروفهم الحياتية الصعبة. وهي تصوّر لنا نموذجا من الناس ، يحاولون أن يختاروا ما ينفقونه من الأموال المستهلكة التي لا يرغبون فيها لقدمها ، أو لخبث طعمها أو شكلها ، مما يجعلهم يودون التخلص منها بأيّة طريقة ممكنة ، بحيث إنهم قد يلقونه جانبا في النفايات إذا لم يجدوا أحدا يأخذه منهم ، ولو عرض عليهم من الآخرين لما قبلوه إلا بالإغماص فيه بالتساهل والتسامح. (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) وذلك هو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) اعملوا على أن يتمثل الإيمان في حياتكم روحا في الوعي ، وعاطفة في القلب ، وحركة في الواقع ، وقيمة في الذات ، لتنطلقوا مع الآخرين من خلال إيحاءاته الفكرية والعملية.
(أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) من جهدكم المتحرك في تجارتكم من مصادر الحلال الذي تستطيبونه في طعامكم وشرابكم وأوضاعكم الحياتية (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) من الثمرات التي تستلذونها وتتنافسون في الحصول عليها ، فذلك هو المظهر الحيّ للقيمة الإنسانية في العطاء في سلوككم الإنساني تجاه الآخرين ، لتكون القضية عندكم ما هي حاجة الآخرين مما تملكون تقديمه لهم ، لأنكم تفكرون فيهم كما تفكرون في أنفسكم ، لا ما هي طبيعة المال الذي تقدمونه لهم لتختاروا الرديء على الجيد حتى لا تكون خسارتكم بالعطاء كبيرة.
(وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) لا تقصدوا إعطاء المال الخبيث الذي يرفضه الناس وترفضونه لرداءته وقلة الانتفاع به (مِنْهُ تُنْفِقُونَ) كوسيلة من وسائل