فيها للإنسان بالبخل حذرا من الفقر الذي يعده به إذا أنفق ما عنده من طيبات الرزق في ما اكتسبه الإنسان وفي ما زرعه.
(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) لأنه يربطكم بالمال الموجود لديكم لتستغرقوا فيه كما لو كان هو الضمان الأول والأخير لقضاء حاجاتكم ، فإذا ذهب بالعطاء ، افتقرتم وفقدتم قدرتكم على الحصول على غيره ، لتنظروا إليه نظرة ذاتية من الزاوية الضيقة المادية ، بعيدا عن الواقع الحركي العام في حركة الإنسان في الفرص المتنوعة المطروحة أمامه ، بحيث إذا ضاقت به فرصة ، كانت هناك أكثر من فرصة مما يتسع لحاجاته في انتظاره ، فليس ذهاب المال في مرحلة ، نذير فقر دائم ، كما أن الحصول عليه في مرحلة ، لا يعني الغنى الدائم.
(وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) لأنه يخطط للانحراف الفكري الكلي الذي تتفرع عنه كل الانحرافات الجزئية ، فإذا انطلق الإنسان من فكرة تجاوز حدود الله وخروجه عن خط التوازن الذي قرره له في سلوكه العملي ، ابتعد عن الاستقامة في حياته ، وانفتحت له أبواب الضلال ، فامتنع عن الإنفاق من قاعدة البخل الذاتي في علاقته بالمال وبالناس ، وتحرك نحو الفحشاء الأخلاقية. فباع نفسه وعرضه بالمال ، وكفّ عن التحرّك بالخير في حياته العامة والخاصة ، فإن الشيطان إذا امتد في أوامره في وجدان الإنسان ، فإنه يحوّل حياته إلى سلبيات متلاحقة يتبع بعضها بعضا ، ويرتبط أحدها بالآخر ، فيأخذه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ... ولكن الآية تثير أمامه إيمانه بالله ، وتذكره بوعد الله للإنسان بالمغفرة للذنب ، وبالفضل والتعويض في الدنيا والآخرة.
(وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) من رزقه ، فإن الله هو الذي يرزقكم من حيث تحتسبون ومن حيث لا تحتسبون ويعوّض عليكم من واسع فضله