وتعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (١).
وفي تفسير العياشي عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلت له : إني أفرح من غير فرح أراه في نفسي ولا في مالي ولا في صديقي ، وأحزن من غير حزن أراه في نفسي ولا في مالي ولا في صديقي ، قال : نعم ، إن الشيطان يلمّ بالقلب فيقول : لو كان ذلك عند الله خيرا ، ما أوال عليك عدوك ولا جعل بك إليه حاجة ، هل تنتظر إلّا مثل الذي انتظر الذين من قبلك؟ فهل قالوا شيئا ، فذاك الذي يحزن من غير حزن ، وأمّا الفرح ، فإن الملك يلمّ بالقلب فيقول : إن كان الله أوال عليك عدوّك وجعل بك إليه حاجة ، فإنما هي لأيام قلائل ، أبشر بمغفرة من الله وفضل ، وهو قول الله (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً).
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ) فهو الذي يعطي عباده النعم الباطنة في الوجدان الداخلي للإنسان ، فيلهمه الصواب في الفكرة ، والسداد في الرأي ، والمنهجية في طريقة التفكير ، وفي النظرة إلى الأمور ، وهذا ما تمثله الحكمة في مضمونها الفكري على مستوى المنهج والوسيلة والفكرة ، فيدرس القضايا من خلال سلبياتها وإيجابياتها ومقدماتها ونتائجها والظروف الموضوعية المحيطة بها على مستوى الدنيا والآخرة.
ثم يثير أمام الإنسان طريق الحكمة في الحياة في ما تمثله هذه الكلمة من تنظيم أعمال الإنسان وتخطيط أوضاعه على حسب الموازين الدقيقة للأشياء ، بحيث يضع كل شيء في موضعه ، فلا يمنع شيئا ينبغي له أن يعطيه ، ولا يعطي شيئا ينبغي له أن يمنعه ، ولا يضع شيئا موضع شيء آخر ، ولا يزيد ولا ينقص في ما يراد منه التوازن في جانب الزيادة والنقيصة ...
__________________
(١) البحار ، م : ٢٠ ، ج : ٥٨ ، ص : ٨٨ ـ ٨٩ ، باب : ٤٣ ، رواية : ٢١.