ويؤكد الله على أن الحكمة نعمة كبيرة يمنحها لمن يشاء من عباده ، لأنها تهدي الإنسان إلى التوازن الدقيق في الحياة ، فهي القيمة الكبيرة في شخصيته ، التي تفوق الجاه والمال والجمال ، لأنها هي التي توجه ذلك كله إلى الوجهة التي ينبغي أن تقف عندها الأشياء.
(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) لأنها التي تفتح للإنسان أبواب الخير في الدنيا والآخرة ، فتصرفه عن طريق الخطأ وتقربه إلى طريق الصواب (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) أي العقول ، فإن الله هو قلب كل شيء ومركزه ، ولذلك أطلق على العقل ، فلا بد للعاقل من أن يتذكر ذلك كله في ما يقرره ويستوحيه ، لأن العاقل هو الذي تنطلق الذكرى في حياته لتضيء له السبيل ، ولتربطه بالغاية ، وهي رضا الله ومحبته. والتذكر هو حركة العقل في دراسة الأشياء التي تربط بين المقدمات ونتائجها ، أو بين الشيء ونتائجه ، ليحصل الإنسان على الفكرة الجديدة من خلال مفردات المعلومات التي يختزنها في وجدانه ، فتكون الذكرى لونا من ألوان اليقظة الوجدانية للوعي ، التي توحي له بشيء جديد ، وهذا هو المنهج الذي قرره القرآن الكريم في مسألة الإيمان التي هي حركة تذكر الله في عبادته وطاعته من خلال التذكر لآلائه ونعمه وأسرار مقامه الربوبي وعلاقة الناس به.
وقد جاء في الحديث عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام ـ في رواية سليمان بن خالد عنه ـ قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قوله الله : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) فقال: إن الحكمة المعرفة والتفقه في الدين ، فمن فقه منكم فهو حكيم ، وما أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من فقيه (١).
وجاء عن محمد بن يعقوب الكليني ـ مرفوعا ـ قال : قال
__________________
(١) م. س. ، م : ١ ، البحار ، ج : ١ ، ص : ٢١٥ ، باب : ٦ ، رواية : ٢٥.