أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات : ١٩]. وعلى هذا الأساس ، فإن الممتنعين عن الإنفاق الواجب ، يظلمون الفقراء في أكل أموالهم التي جعلها الله لهم في شريعته ، فيعاملهم الله ـ في الآخرة ـ معاملة الظالمين الذين يقفون وحدهم يوم القيامة أمام الله ليواجهوا الحكم الصارم عليهم بالعذاب ، فلا شفيع لهم لديه ، لأن الشفعاء لا يشفعون إلا لمن ارتضى ، ولا وليّ لهم ولا نصير من الله ، لأنه لا تملك نفس لنفس شيئا في ذلك الوقت العظيم ، والأمر يومئذ لله وحده.
أما إسرار الصدقات وإعلانها ، فلا مانع منه في أيّ جانب كان ، إذا كانت هناك مصلحة في ذلك ، فقد تكون المصلحة في الإعلان إذا كان ذلك موجبا لتشجيع الآخرين على الإنفاق ، وذلك من خلال طبيعة المنافسة الموجودة لدى بعض الأشخاص الذين لا يقومون بأعمال الخير إلا إذا قام بها أحد من نظرائهم ، أو من جهات أخرى تتصل بالمنفق أو بالمنفق عليه أو بالآخرين ... وقد تكون المصلحة في الإسرار إذا كان المنفق عليه من أهل الستر والعفة الذين قد لا يريدون الظهور بمظهر المحتاج لما في ذلك من إساءة إلى كرامتهم ومكانتهم ، فلا بد في مثل هذه الحال من حفظ هذا الجانب من شخصيتهم في حالات العطاء ... وربما كان في الإسرار جانب تربوي يتصل بشخصية المنفق ، لما في ذلك من الدلالة على إخلاصه وقربه من المعنى العميق للقيمة الروحية البعيدة عن كل ما يشوبها من الرياء بابتعادها عن كل شيء يوحي بمعرفة الآخرين. وقد رجّح الله في نهاية الآية جانب السر ، فإنه الأصل في الصدقة من حيث هي عبادة مقرّبة إلى الله ، مما يجعل جانب الإخلاص فيها مرتبطا بالبعد عن كل ما يربطها بالمعاني الذاتية للإنسان.
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) وتعلنوها أمام الناس لتكونوا قدوة لهم في الإنفاق ، ليكون سنّة اجتماعية من خلال تكاثر الذين يتحركون في هذا