المجال ، (فَنِعِمَّا هِيَ) ، أي فنعم الشيء هو الصدقات الظاهرة البارزة للعيان التي تحمل معنى الخير في مضمونها ، وسرّ الإظهار لها في النتائج الإيجابية الاجتماعية ، (وَإِنْ تُخْفُوها) وتستروها عن الأنظار والأسماع لتكون من صدقة السرّ التي هي الرسالة الخفية التي يوجهها العبد إلى خالقه بالإحسان إلى بعض عباده لحلّ مشكلتهم بطريقة سرّية تحفظ لهم ماء وجوههم ، وتخفف عنهم الإحراج في الإعلان عن فقرهم وحاجتهم بما يتنافى مع كرامتهم ، وهكذا تنطلقون بالمسألة في أجواء الكتمان لتحرّكوها في سلوككم العملي (وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) ، لأنه الأقرب لإخلاص النية بالبعد عن أجواء الرياء التي قد تتحرك في حالة الأعمال العلنية التي قد تثير في الإنسان الوساوس الشيطانية التي توحي له بالرغبة في إظهار النفس بالطريقة التي يعبر فيها عن حبه للخير ورغبته في الإحسان ليمدحه الناس على ذلك وليرفعوا مكانته لديهم ، لترتفع درجته الاجتماعية عندهم ، فيفقد إخلاصه لله ، وتتحول القضية لديه إلى ما يشبه الشرك الخفي الذي يدفع العمل ليكون للناس من دون الله ، وهكذا يكون الخفاء وسيلة من وسائل تهيئة الأجواء الروحية التي تجعل العمل خالصا لله ، لأنه هو الذي يطّلع عليه من دون الناظرين ، وهذا هو الذي يؤدي إلى محبة الله لكم وقربكم إليه ، لتكونوا في موقع الحظوة عنده ، فيغفر لكم (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) فإنه لا شيء يوجب تكفير السيئات أقرب من الصدقة على الفقراء ، لأنها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير ، مما يجعل منها إحسانا لربه كما هي إحسان للفقير (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ، فهو الخبير بكل ما تفيضون فيه مما تبدونه وتكتمونه ، وهو الذي يملك الثواب الذي يقدّمه لعباده المحسنين ، فلتكن النظرة إلى رضاه ، ولتكن الرغبة في الحصول على موقع القرب عنده ، فإنه غاية الغايات لعباده المؤمنين.
وقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليهالسلام ما رواه أبو بصير عنه