السبب المباشر للأشياء. ثم تلتفت الآية إلى المؤمنين لتدلهم على طريق الهدى وتدعوهم إلى سلوكه ، وتوحي إليهم بالفكرة التي ترجع فوائد العمل للعامل من دون أن يرجع إلى الله منها شيء ، وتهيب بهم أن يبتغوا وجه الله في إنفاقهم ـ إذا أنفقوا ـ لأن ذلك هو الذي يجعل منه معنى يتصل بالله ويرتبط بالآخرة ، وهو الذي يستحق العبد من خلاله العوض من ربّه في الدنيا والآخرة من دون ظلم ولا حيف ولا نقصان.
(* لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) في إلزامهم القسري بطريقة غير عادية بالاستقامة على المنهج الأخلاقي في سلوكهم العملي في الإنفاق وغيره بالسير على خط الإخلاص وعدم المنّ على الفقراء في العطية والابتعاد عن التثاقل والتلكّؤ في دائرة مسئولياتهم العامة والخاصة ، فإن دورك الرسالي هو إبلاغ الرسالة في تفاصيلها بكل جهدك في طرح الفكرة وتنويع الأسلوب ، وإيجاد الأجواء الملائمة التي تنفذ ـ من خلالها ـ الفكرة إلى عقولهم لتكوين قناعاتهم على أساس ذلك كله ، فتلك هي قدرتك البشرية التي تتحرك الرسالة في نطاقها الخاص الطبيعي ، فلا تملك أيّ وضع آخر غير عادي ، لأن المعجزة ليست سبيلك في الهداية ، بل هي سبيلك بإذن الله في ردّ التحدي (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بما أودعه في الإنسان من عناصر الهداية في أسبابها الوجودية ، وبما يمنحه من ألطافه الخاصة لبعض عباده الذين يريد أن يقرّبهم إلى دينه من خلال حكمته ورحمته التي يختص بها من يشاء. وبذلك تكون المهمّة النبوية في الهداية مهمّة تشريعيّة ، بينما تكون الخصائص التكوينية للهداية لله سبحانه بشكل مباشر أو غير مباشر. وفي ضوء ذلك ، كان نفي الهداية عن مسئولية النبي تتصل بالهداية الفعلية الوجودية وإثباتها لله في هذا الجانب ، لتكون المسؤولية النبوية منحصرة في تهيئة الوسائل المتنوعة في نطاق القدرة البشرية التي يقنع فيها الإنسان إنسانا ليهديه إلى الإيمان بما يريد له الإيمان به.