القوى الكافرة المشركة التي منعتهم من الحصول على حاجاتهم الخاصة. وقد يتمثل هؤلاء بالمجاهدين الذين شغلهم الجهاد عن الكسب ، والمستضعفين الذين اضطهدهم المستكبرون فضيّقوا عليهم سبل الرزق ليسقطوا تحت تأثير ضغوطهم الفكرية أو العملية ، وطلاب العلم الذين تفرغوا للعلم من أجل الدعوة أو بلوغ المستوى الذي يؤهلهم لسدّ حاجات أمتهم منه ، فلم يملكوا الجمع بينه وبين الكسب المادي لتحصيل ضرورات المعاش ، فعاشوا الجهد والفقر والعوز ، ولكنهم لم يقفوا على أبواب الأغنياء ليسألوهم ، لأن عفّتهم وكرامتهم تأبى عليهم ذلك ، بل حاولوا أن يظهروا بمظهر الغني القادر على إعالة نفسه من خلال ما يظهرون به من مظاهر الاكتفاء في ما يأكلون ويلبسون؟
وتجيب الآية على هذا السؤال ، فتحدد الفئة الثانية كمورد للإنفاق ، لأن الله لا يريد للناس القادرين على العمل أن يستسلموا للسؤال طلبا للعيش السهل ، لأن ذلك يحوّل المجتمع إلى مجموعات من العاطلين الذين يعيشون كلا على غيرهم وهو ما يبغضه الإسلام ويحاربه ، بل يريد لهم الحصول على حاجتهم بعرق جبينهم وكدّ سواعدهم. أما الفئات العاجزة التي لا تملك وسائل العيش الكريم ، فإن المجتمع بكامله مسئول عنها في ما يستطيعه من الإنفاق عليها ورعاية أمورها ورفع مستواها المادي والمعنوي. ثم تبشر الآية الآخرين الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله سرا وعلانية ، بالأمن عند الله والسرور برضاه وثوابه ، جزاء لهم على ما قدموه لله من طاعة وللمجتمع من خدمات كبيرة.
(لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ومنعوا من ممارسة حرياتهم في التحرك العملي من أجل كسب العيش بفعل الظروف السياسية والأمنية والاجتماعية الخانقة ، والضغوط الخارجية القاسية ، فلم يملكوا سبيلا إلى تلبية حاجاتهم الضرورية. وقد جاء في أسباب النزول ، في