الحديث عن الإمام محمد الباقر عليهالسلام وعن ابن عباس في ما رواه الكلبي عنه ، أن الآية نزلت في أصحاب الصفّة ، وهم نحو من أربعمائة رجل لم يكن لهم مساكن بالمدينة ، ولا عشائر يأوون إليهم ، فجعلوا أنفسهم في المسجد وقالوا : نخرج في كل سريّة يبعثها رسول الله ، فحثّ الله الناس عليهم ، فكان الرجل إذا أكل وعنده فضل أتاهم به إذا أمسى (١).
وقد ذكرنا في أكثر من موضع من التفسير أن أسباب النزول لا تحدّد المضمون القرآني في نطاق مناسباتها الخاصة ، لأنها تمثل المنطلق الذي انطلقت منه الفكرة في الآية ليمتد في أمثاله وأجوائه في موارد أخرى متحركة في الأوسع منه في صعيد الزمان والمكان ، لأن القرآن يجري مجرى الشمس والقمر والليل والنهار ، فلا يتجمد في مورد ، ولا ينحصر في زمن ، كما جاء في الحديث عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام (٢).
وفي ضوء هذا ، فإن كلمة (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) تشمل كل الذين توفرت فيهم هذه الصفة على مدى الزمن ممن لم يكن شأنهم في ترك العمل المعيشي من باب الكسل والاسترخاء والبعد عن المسؤولية ، بل من باب القيام بمسئولياتهم العامة التي توحي بها كلمة (سَبِيلِ اللهِ). (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) ليسافروا إلى هذا المكان أو ذاك مما تتوفر فيه الوسائل الطبيعية للحصول على الرزق ، وذلك من جهة الموانع الخارجية أو الداخلية المحيطة بأوضاعهم الخاصة والعامة التي تضغط على حرياتهم في الحركة في الذهاب والتصرف ، فلم تكن المسألة عجزا طبيعيا في الذات ، بل من خلال الأجواء المتنوّعة.
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٢ ، ص : ٤٠٩.
(٢) جاء في البحار : قال أبو عبد الله عليهالسلام : «إن القرآن حيّ لم يمت ، وإنه يجري كما يجري الليل والنهار ، وكما يجري الشمس والقمر ، ويجري على آخرنا كما يجري على أولنا». البحار ، م : ١١ ، ج ٣٥ ، ص : ٦٤٧ ـ ٦٤٨ ، باب : ٢٠ ، رواية : ٢١.