(يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) فهم لا يظهرون بمظهر الفقير المسكين المحتاج في صرخات الجوع أو العطش ، أو في مظاهر البؤس في الثياب والمنازل ، بل يحاولون الظهور بمظهر الغنيّ القادر ، حفاظا على كرامتهم والتزاما بعفتهم وانتظارا للفرج الإلهي الذي يخرجهم من مشاكلهم ، فهم يتمردون على الجوع والعطش والحاجة من موقع قوة الإرادة في عمق إيمانهم بالله الذي يرعى عباده المؤمنين ويجعل لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون.
(تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) أي بعلاماتهم الظاهرة من خلال النظرة إلى وجوههم ، لترى المعاناة القاسية المتمثلة في ملامحهم ، ولتتمثل فيها العنفوان النفسي الذي يوحي بالتمرد على كل أوضاع الألم المنبعث من الجوع والعطش والحاجة الملحة.
(لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) أي ليسوا من الذين لا يصبرون على حاجاتهم فيسألون الناس بطريقة الإلحاح في المسألة ، فيكررونها مرة بعد أخرى ويتوسلون للحصول على ما يريدون من ذلك بمختلف الوسائل والأساليب ، ولكنهم يواجهون الموقف من موقع الشخصية العزيزة العفيفة المتعففة عن الناس المترفعة عن الشكوى للآخرين ، مما يعني أن المقصود بكلمة (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) أنهم لا يسألون الناس أصلا ، فلم يكن النفي متوجها إلى القيد ليكون المدلول اللفظي أنهم قد يسألون الناس بدون إلحاح ، بل كان موجها إلى النموذج الواقعي الذي يستخدم الإلحاح من خلال ضغط الحاجة عليه ، لأن طبيعة الحاجة تفرض ذلك ، لأنها من نوع الحاجات التي تفرض نفسها على الإنسان ليتخلى عن كثير من شؤون كرامته ، وهذا التعبير يشابه القول : ما رأيت مثله ، وأنت لم ترد أن له مثلا ما رأيته ، وإنما تريد أنه ليس له مثل فيرى ، فمعناه لم يكن سؤال