فيكون إلحاح ، كقول الأعشى :
لا يغمز الساق من أين ومن نصب |
|
ولا يعضّ على شرسوفه الصّفر |
ومعناه ليس بساقها أين ولا نصب فيغمزها ، ليس أن هناك أينا ولا يغمز ، كما جاء في مجمع البيان (١). وقد ذكر صاحب الميزان ، أنه لا يبعد أن يكون المراد نفي الإلحاف لا أصل السؤال ، ويكون المراد بالإلحاف ما يزيد على القدر الواجب من إظهار الحاجة ، فإن مسمّى الإظهار عند الحاجة المبرمة لا بأس به ، بل ربما صار واجبا ، والزائد عليه وهو الإلحاف هو المذموم(٢).
ولكننا نلاحظ أن الآية ليست في مقام بيان التفاصيل من حيث الإشارة إلى ما هو واجب أو راجح أو غير واجب وراجح في السؤال ، بل في مقام بيان الطبيعة القوية لهؤلاء ، بحيث يتمردون على آلام الحاجة وقد يموتون تحت تأثير ذلك ، فهي من نوع الحاجة الملحّة القاسية التي قد تدفع الآخرين إلى أن يسألوا الناس إلحافا ولكنهم لا يفعلون ذلك ، مما يفرض على الناس اكتشافهم وسد حاجتهم بالصدقات ، لأنها شرّعت لأمثال هؤلاء من أجل حلّ مشكلتهم الضاغطة الصعبة. (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) في الموارد التي أرادكم الله أن تنفقوا فيها من الخير المنفتح على حاجات الناس والحياة (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) فهو يجازيكم عليه.
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) بحيث يتحول الإنفاق في حياتهم إلى نهج في حركة الشخصية من خلال ما يتمثلونه في نظرتهم إلى الواقع في مشاكله ومآسيه ، وفي مسئولياتهم تجاه ذلك ، مما حمّلهم الله من واجبات وحقوق للناس المحرومين ، فلا يتركونه في أي وقت ، حتى أنهم
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ٤٩٩.
(٢) تفسير الميزان ، ج : ٢ ، ص : ٤٠٤.