المماثل للعطاء من ناحية مادية ، بل يبحث عن الانطلاق من العطاء في ذاته كقيمة روحية يريد بها ما عند الله ، لا ما عند الناس ، وذلك هو ما يتمثل في الصدقة التي تقوم على العطاء دون مقابل قربة إلى الله ، وبذلك كانت عبادة كبقية العبادات التي تقرّب الإنسان إلى الله ...
الاتجاه الثاني : هو اتجاه القرض الذي يتمثل في دفع المال المقترض على أن يكون مضمونا عليه بمثله ، فيجب عليه أن يدفعه للمقرض عند حلول الأجل. وفي هذا المجال ، يلتقي العنصر المادي الذي يفكر فيه الإنسان بحفظ ماله في ذمة المقترض ليرجع إليه بعد حين ، بالعنصر الروحي الذي يفكر فيه الإنسان بالتضحية بالزيادة التي قد يأخذها الآخرون في مقابل تجميد هذا المال مدة من الزمن ، وحرمانه من منافعه التجارية التي يمكنه أن يحرّكها في طريق تحصيل الربح ، وذلك هو مورد القربة إلى الله في هذا العمل الذي عبّر عنه في القرآن وفي الحديث بالقرض الحسن ... فإن ذلك هو سبيل الوصول إلى محبة الله ورضاه ، لما يشتمل عليه هذا العمل من حلّ لمشكلة هذا الإنسان الواقع تحت ضغط الحاجة إلى المال الذي يسد به خلّته.
وقد وردت الأحاديث المتنوعة التي تتحدث عن القرض الحسن في أسلوب تشجيعي ، يجعله أفضل من الصدقة في بعض المجالات ، فقد ورد أن درهم الصدقة بعشرة ، أمّا درهم القرض فبثمانية عشر ... وربما كان ذلك من أجل مواجهة نزعة الربح التي قد تدفع إلى الرّبا وذلك بتحويلها إلى التفكير بالربح في الدار الآخرة ، بالإيحاء بأنها ترقى إلى أعلى من مستوى الصدقة ، مما يرضي طموح المقرضين الذين قد لا يستريحون للصدقة من ناحية ذاتية. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، ربما كان درهم القرض متحركا في حلّ أكثر من مشكلة لأكثر من شخص ، مما يعطيه معنى الامتداد والنموّ ، عند ما يعود من يد المقترض ليتحوّل إلى مقترض آخر ، مما يوجب تضاعف جانب العطاء في المسألة ، بينما يذهب درهم الصدقة ليحل مشكلة واحدة