(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) هؤلاء الذين ينفقون من موقع مسئولية العطاء أمام الله ، ويشعرون أنهم قاموا بواجبهم الملقى عليهم ، فلا مجال عندهم للمنّ على أحد ممن أنفقوا عليه ، لأن القضية لا تتعلق بهم كأشخاص ، بل كمورد من موارد الإنفاق الواجب والمستحبّ ، كما أن القضية لا تمثل موقفا شخصيا يرتبط بالذات ليتحوّل إلى موقف من مواقفها الخاصة. وبذلك يريدون لعملهم أن يستمر في روحه المنطلقة من محبة الله ، فلا يسمحون لأنفسهم بأية كلمة تؤذي مشاعر من أنفقوا عليه ، هؤلاء الذين يعيشون القيم الروحية والعملية التي أراد الله للإنسان أن يعيشها في برنامج حياته اليومية كخطّ عمليّ مستقيم ، هم الآمنون عند الله ، الفرحون بما أفاض عليهم من قربه ورضاه ، المتقلّبون في نعمائه يوم القيامة ، بما أغدقه عليهم من نعمه وألطافه.
(وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). هل الآية في أجواء الحديث عن نفي الخوف والحزن عن الإنسان في الآخرة جزاء لعمله ، باعتبار أن الغاية التي يبتغيها المؤمن في كل أعماله في الدنيا هي الأمن والراحة والطمأنينة والفرح في الآخرة ، أو أنها شاملة للدنيا والآخرة معا ، لأن الله سبحانه جعل للالتزامات الشرعية التي ألزم عباده بها أو استحبّها لهم ، نتائج إيجابية على مستوى الدنيا من خلال الخصائص المميزة التي تؤدي إلى الخير في حياتهم الخاصة والعامة ، وتبتعد بهم عن حالات الخوف من الأخطار ، والحزن من المصائب؟
إن الجواب عن ذلك ، هو أن السياق العام لهذا التعبير القرآني في أكثر استعمالاته يوحي بأجواء الآخرة ، لأنها غاية الغايات في وعي الإنسان ، ولكن لا مانع من أن تطل المسألة على أبعاد الخوف والحزن في الدنيا من