ناحية المبدأ.
(* قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ). إن الله يقول لأولئك الذين يتصدقون وتتحول صدقتهم إلى عقدة ذاتية في أنفسهم تجاه الإنسان الذي أعطوه ، وتنطلق العقدة لتلاحقه بالكلمة التي تسيء إلى كرامته في ما يثيرونه معه من الإيحاء بالفوقيّة في إحساسهم تجاهه ، ومن التذكير الدائم له بحالة الحرمان التي كان يعيشها وبفضلهم عليه في إنقاذه من نتائجها الوخيمة مما يجعله مسحوقا من الناحية النفسية أمام ذلك كله. إن الله يقول لأولئك : إن هناك من يعيش حسّ الكرامة في نفسه بالمستوى الذي يفضل فيه أن يجوع بدلا من أن يشبع على حساب كرامته ، ويحب أن يعاني الحرمان المادي الذي يشعر معه بالكرامة بدلا من أن يتقلب في الرخاء على حساب عزّته ومكانته. فإذا كنتم تريدون أن تهدروا كرامته بالعطاء من خلال كلمة المنّ والأذى ، فوفروا عليه ذلك ، واحملوا إليه الكلمة الطيبة والقول المعروف والمغفرة الروحية ، فإن ذلك أفضل من صدقاتكم التي يتبعها الأذى ، (وَاللهُ غَنِيٌ) عنكم لا يحتاج إلى أعمالكم التي تسيء إلى الآخرين (حَلِيمٌ) لا يعجّل للمذنب عقوبته ، بل ربما يغفر له إذا استقام على الخط المستقيم.
* * *
إبطال الصدقات بالمنّ والأذى
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى). إن الفكرة تتحول إلى نداء إلهي يستثير صفة الإيمان في نفوس المؤمنين ، ليعرّفهم أن المنّ والأذى ، لا يتناسب مع طبيعة هذه الصفة التي توحي للمؤمن بأن يحفظ لعمله روحانيته ومعناه ، ويصون لأخيه المؤمن كرامته ، ويحذرهم بأن ذلك