يبطل صدقاتهم في ما يريدونه من ثواب ، لأنه يكشف عن طبيعة الدوافع الكامنة في داخل النفس ، البعيدة عن خط التقرب إلى الله في العمل ، تماما كما هو عمل المرائي في إنفاقه لماله على الناس من أجل أن يحصل مدحهم له ورضاهم عن سيرته ، مما يجعل عمله بعيدا عن المنطلقات الخيّرة التي تربطه بالله.
إن الإنفاق يفقد قيمته ، في هذه الحال ، كقيمة روحية ترتفع بالإنسان إلى خط السموّ الروحي ، في أجواء القرب من الله ، ويتحوّل إلى عمل مادّيّ لا يستهدف الإنسان فيه إلا الحصول على عوض مادّيّ مماثل أو مضاعف ، أو التنفيس عن عقدة مرضيّة ذاتية ضد الآخرين ...
(كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). يصف الله هؤلاء المتصدقين المنّانين المرائين ، بأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ، لأن الإيمان ليس مجرد كلمة يقولها ، أو عمل يعمله ، بل هو موقف يستمد حركته من الإيمان بالله كحقيقة تحرّك كيانه بالدوافع الروحيّة ، وتدفع خطواته إلى الآفاق الرحبة في مجالات القرب من الله ، فلا قيمة للكلمة الحلوة الخاشعة إذا لم تنطلق من قاعدة الإخلاص في أعماق النفس ، ولا قيمة للعمل الكبير أو الصغير إذا لم يكن ممتدا في الخط المستقيم الذي يحبه الله ويرضاه مما يحقق للحياة سلامتها وكرامتها وانطلاقها في الأهداف العظيمة الكبيرة. وبذلك يفقد الإنسان حركة الإيمان في داخله ، فلا تكون أعماله صدى لنداء الإيمان هناك ، لأنها تحركت من موقع الإخلاد إلى الدنيا ، ولم تتحرك من موقع الرغبة في الآخرة من خلال ثواب الله.
(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ). إن الله يضرب لهؤلاء المثل ليعمّق الفكرة من خلال الصورة الحسية ، التي توحي بالعمل المتعب الذي