يفقد نتائجه بسرعة في نهاية المطاف. فكيف نتمثل الصورة ، لنضع أمامنا صخرا أملس ينزلق عنه الماء بسهولة ونضع فوقه طبقة رقيقة من التراب ، ثم نلقي البذور فيه ونتابعها بالرعاية والخدمة حتى تنمو وترتفع أغصانها في الهواء ، بحيث توحي للناظر بالامتداد والثبات والبقاء ، ثم يهطل المطر الغزير ... ويهطل ، فيجرف التربة التي تحمل الزرع ، فلا يبقى لزارعها شيء مهما بذل من جهد ، لأن الزرع لا يملك عمقا له في التربة التي لم تمتد في أعماق الأرض ، فإنها تقف على الصخر الأملس الذي لا عمق له مما ينفذ فيه الزرع والماء.
إن ذلك هو مثل الكافرين الذين يسيرون في خط الضلال ، فلا يفسحون المجال لأعمالهم أن تنبت في الأعماق البعيدة من نفوسهم ليضمنوا لها البقاء والامتداد ، بل يظلون في دوافعهم على السطح الذي لا يحتضن إلا الدوافع الساذجة التي تعيش في نطاق الشهوات بعيدا عن عمق الإيمان.
(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) إن الصورة هنا تختلف تماما ، فهؤلاء هم الذين ينفقون أموالهم طلبا لرضا الله عنهم ، لأنهم يحسون بالحاجة إلى ذلك في ما تفرضه عليهم مشاعر الإيمان في حركتها العملية نحو الوصول إلى خط التكامل في الحياة ، وهؤلاء هم الذين ينفقون انطلاقا من قيمة عميقة داخل النفس ثابتة في طبيعة تكوينها ، وليس مجرد خطرات سريعة تأتي وتزول لدى أوّل رجفة أو هزّة. أما الصورة التي تعطي الفكرة الحسيّة بوضوح ، فهي أن تتمثل بستانا في ربوة مرتفعة ، والربوة تختلف عن المكان المنخفض في ما يتعلق بطبيعة السلامة للزرع ، لأن المنخفضات قد تشتمل على أشياء وخيمة تضر بالزرع من خلال المستنقعات التي تتجمع فيها وتحمل الكثير من ذلك ، بينما لا يصل ذلك إلى المرتفعات.