إننا نتمثل هذا البستان الذي تحتضنه هذه الربوة وتحمل جذوره إلى الأعماق البعيدة في الأرض ، فتكفل لها القوة والامتداد والثبات ، فإذا جاء المطر الغزير ، أعطاها ازدهارا ونموا ونتاجا مضاعفا ، أمّا إذا نزل المطر رذاذا يندّي الأرض فيعطيها الاهتزاز والنضرة والنموّ الهادىء. وفي كلا الحالين ، تخضرّ الأرض وتنتج وتعطي البركة والحياة. وكذلك حالة الإنسان الذي ينفق ماله في سبيل الله ، فإن العطاء يمتد في حياته عند الله كما يمتد في حياة الناس بالخير والبركة وفي داخل ذاته بالجذور العميقة من الروح والإيمان. إن القرآن يعرض أمام الإنسان هاتين الصورتين المختلفتين ، ليواجه عمله من خلالهما ، فيختار أقربهما إلى البقاء والربح والثبات من خلال العقل الذي وهبه الله إيّاه ليختار به أكثرهما ربحا في الدنيا والآخرة ، وهو الإنفاق في سبيل الله من خلال النفس الواثقة بربها وبخطها المستقيم في الحياة. والله بصير بما يعمل الإنسان ، في ما يسرّه وفي ما يعلنه ، لأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
* * *
القرآن يوضح الصورة بالمثل
(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).
إن الله يقدّم لنا صورة أخرى تربطنا بالجانب الإيجابي الخيّر من الإنفاق وتبعدنا عن الجانب السلبي الشرّير ، وذلك من خلال الإيحاء بالحاجة الملحّة