الشديدة للارتباط بالجانب الإيجابي على أساس ارتباطه بقضية المصير الذي يفرض علينا الوقوف مع العمل النابع من وعي الإنسان لموقفه من الله ومن شريعته المثلى في خطّه العملي في الحياة ، وتلك هي الصورة الحيّة تتمثل أمامنا بوضوح ، إنها صورة شيخ كبير بلغ من العمر عتيّا وضعفت قواه حتى لم يستطع أن يعمل أو يكسب لقمة عيشه بيده ، وله ذرية ضعفاء لا يقدرون على العمل ، إما لصغر السن ، أو للمرض ، أو لشيء آخر.
وإلى جانب هذه الصورة ، تقف صورة أخرى تدخل في أمنيات هذا الشيخ الكبير ، وهي أن تكون له (جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) ، بحيث تستطيع أن تكفل له عيشه وتؤمن له حياته وحياة ذريته الضعفاء الذين لا يستطيعون أن يقوموا بمسؤولية أنفسهم ولا بمسؤوليته ، كما لا يستطيع ـ هو ـ أن يقوم بمسؤوليتهم ومسئولية نفسه. كيف نتصور قيمة هذه الأمنية في حياته إذا تحققت وكيف يكون موقفه منها وشعوره تجاهها؟
إنها تمثل في حياته الأمل حيث لا أمل ، وتبدع له الشروق حيث لا مجال إلا للظلام ، فيستريح لها ويسترخي ويغلق عينيه من خلالها على أطياف الرخاء تتفجر من ينابيعها وتتساقط من ثمارها ، ويأخذ من ضعفه قوة للمستقبل وللحياة. فقد أصبح لا يحمل هما للحياة في كل مسئولياتها ومشاكلها ، لأن هذه الجنة تخفف عنه كل المسؤوليات وتحل له كل المشاكل المادية في ما يحفل به العيش من مشاكل.
وتتبدل الصورة فجأة ، فإذا بالنيران التي يحملها الإعصار تلتهم كل هذه الثمرات ، وتحرق كل النخيل والأعناب ، ويقف هذا الشيخ الكبير ومعه ذريته الضعفاء أمام هذا المشهد بمشاعر لا يستطيع أن يصورها قلم أو تحددها كلمة. إنه اليأس القاتل الذي لا يترك للحياة أي معنى في أعماق الإنسان ،