تبقى في حالة من التماسك والقوّة ، إلى أن حان الوقت الذي أخذت تلفظ فيه كل ما في داخلها وتتخلى عنه ، وذلك استجابة لإرادة الله تعالى ، الذي أراد بعث الناس إليه في يوم القيامة ليخرجوا من الأجداث كأنهم جراد منتشر. فامتثلت لأمره (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) وقالت له : يا ربّ ، ها أنا طوع إرادتك فافعل ما تشاء ، فلك الحق في ذلك كله ، وليس لي من الحقّ في أيّ موقع خارج إرادتك.
* * *
بين طاعة الأرض والسماء وطاعة الإنسان
وهكذا يوحي استسلام الأرض والسماء لربهما من موقع حقّه في التصرّف بخلقه كما يريد ، باستسلام الخلق الحيّ العاقل ، المتمثل بالإنسان ، إليه ، لينقاد له من خلال الإرادة الواعية المطيعة ، فيخاطبه بذلك ، للفرق بينه وبين السماء والأرض ، بأن هذين المخلوقين العظيمين مطيعان له على أساس طبيعة التكوين الذاتي فيهما ، في ما خلقه فيهما من سرّ الطواعية له في طبيعتهما ، فلا يملكان غير ذلك في حركتهما في نطاق القوانين الطبيعية أو في خارج ذلك ، مما يريد الله فعله فيهما. ولذلك ، كانت كلمة الإذن لربهما بالنسبة إليهما على نحو الكناية لا الحقيقة.
أمّا الإنسان ، فهو المخلوق الذي ألهمه الله فجوره وتقواه وهداه السبيل ليشكر أو يكفر ، فجعل في ذاته الإرادة المتحركة التي تملك القبول بأوامره ونواهيه ، كما تملك الرفض لها ، والتمرد عليها ، فهو الذي يعيش الاستسلام لله في وجوده التكويني في السنن الطبيعية التي تحكم حركة حياته في تأثره بالواقع الكونيّ من حوله ، ولكنه قد لا يستسلم في أفعاله التي يملك حرية الاختيار فيها. ولذلك ، حمّله الله بها مسئولية عمله ، لأن مصيره يساوي عمله.
* * *