والجلال فيها ، وعن عظمة الخالق في ما توحي به من عظمة الخلق ودقة التدبير. وتجد في النفي الذي يتصدّر الحديث عنها للقسم بها ، أنها في الموقع المميز الذي يستحق تعلّق القسم به .. ولكنّ الله لا يقسم بها ، لأن الحقيقة التي يريد أن يقرّرها لا تحتاج إلى التأكيد بالقسم ، لأنها واضحة لكل من تأمّل بها ، وعرف سنّة الله في خلقه.
* * *
لتركبنّ طبقا عن طبق
(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) أي حالا بعد حال ، سواء كان أحدهما فوق الآخر أو بعده. وربما قيل : إن المراد به : الرحلة بعد الرحلة يقطعها الإنسان في كدحه إلى ربه من الحياة الدنيا ثم الموت ، ثم الحياة البرزخية ، ثم الانتقال إلى الآخرة ، ثم الحياة الآخرة ، ثم الحساب والجزاء. وربما كان المراد بها : الجهد والمعاناة التي تتوالى على الناس في ما يصيبهم من مشقات الحياة ومصاعبها ومشاكلها ، مما يعبر عن المعاناة المتلاحقة التي ترهق الإنسان جسديا أو روحيا. وقد جاء في كلام البعض ، أن التعبير بركوب الأمور والأخطار والأهوال والأحوال مألوف في التعبير العربي ، كقولهم : «إن المضطر يركب الصعب من الأمور وهو عالم بركوبه» ، وكأن هذه الأحوال مطايا يركبها الناس واحدة بعد واحدة ، وكلّ منها تمضي بهم وفق مشيئة القدر الذي يقودها ويقودهم في الطريق ، فتنتهي بهم عند غاية تؤدي إلى مرحلة جديدة ، مقدّرة كذلك ومرسومة ، كتقدير هذه الأحوال المتعاقبة على الكون من (بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) ، حتى تنتهي بهم إلى لقاء ربهم الذي تحدثت عنه الفقرة السابقة. وهو توجيه جميل في إيحاءاته ..
* * *